اهم الاخبار
الجمعة 26 أبريل 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

الفن

مسلسل فاطمة باسبانيا احتفالاً بشهر المرأة (أرقى دراما تركية )

مسلسل فاطمة
مسلسل فاطمة

 

 

 

 

 

 

 

 

مسلسل فاطمة ..يحتفل العالم في هذا الشهر باعياد المرأة، فعيد الأم و قبله يوم المرأة العالمي الذييوافق يوم 8 مارس من كل عام،  و حين نتحدث عن يوم المرأة أو نريد الاحتفال بها لن نجد سوى المسلسل التركي "فاطمة" ليكون هو الداعم الأكبر للمرأة في عالم يضطهدها و لا تجد فيه منفساً أو داعماً غير الفن الذي يكرمها و يعطيها ولو القليل من حقها.

فمسلسل فاطمة دعم أهم قضية من قضايا المرأة التي تواجهها في جميع أنحاء العالم،  فليس فقط الجناة في مثل هذه القضايا هم من يضطهدون المرأة و يرونها مجرد جسد، بل أن  المجتمع ككل يدعمهم و ينظر للمرأة التي تعرضت لهذا النوع من العنف و الاضطهاد على أنها ساقطة و منبوذة وعليها أن تختبيء من عيون الناس بسبب جريمتها  التي لا ذنب فيها.

 

دعونا لا نطيل الحديث أكثر عن ما تتعرض له المرأة من عنف و اضطهاد، بل لنتذكر الجانب الايجابي فقط و نروي في بضع سطور أجمل قصة انصفت المرأة و تحدثت عنها و شعرت بألمها و  تكلت بلسانها و  صرخت في وجه المجتمع من أجلها، قصة عالجت المرأة من ألمها و وضعت لأزمتها حلاً جوهرياً و  خلصتها من شعورها باضطهاد و رفضت أن تكون منبوذة على جريمة ارتكبها غيرها في حقها.

مسلسل فاطمة :

انتهى عرض مسلسل فاطمة منذ بضعة أيام على قناة نوفا الاسبانية و التي تهتم بعرض المسلسل كل عام في شهر المرأة احتفالاً  و تقديراً  لها، و هو المسلسل الذيتسبب في حالة هوس لدى الشعب الاسباني لدرجة أنه كلما عُرض يحقق أعلى نسب المشاهدة، بل أن اسبانيا قامت باقتباس مسلسل فاطمة و  قدمته في نسخة بعنوان "ألبا" و لكنه لم يحقق ربح نجاح مسلسل "فاطمة".

 

مسلسل "ما ذنب فاطمة جول ؟"  هو دراما تحلق بعيداً عن السرب و منفردة في سماء الابداع الفني اللامتناهي و سيظل هذا العمل علامة فارقة في تاريخ الدراما التركية للأبد، و سيحتفظ بقوة تأثيره مهما مرت عليه السنوات و سيراه المشاهدين اينما عُرض و مهما عُرض، بالرغم من طول عدد حلقاته الذي وصل إلى 80 حلقة بالنسخة التركية الأصلية و التي تصل مدة الحلقة الواحدة بها لأكثر من ساعاتان، و 190 حلقة مدبلجة للغة العربية باللهجة السورية، إلا ان المسلسل لا يحتوى على أي مط او تطويل  لمجرد الحشو كعادة المسلسلات التركية.

 

مسلسل فاطمة :

 و لا يوجد خطوط فرعية مشتقة من القصة الاساسية لمليء فراغ الحلقات و لكن كان التركيز منصب بشكل احترافي على الشخصيات الرئيسية دون خلل و التركيز على ما اصاب نفسية جميع من ارتبطوا بالحادث المجنى عليها فاطمة و المغتصبون الاربعة و حتى خطيبها السابق و ما تعرض  له اضطراب شديد في شخصيته ، فكل مشهد و كل جملة في العمل لها أهمية قصوى و لا يمكن الاستغناء عنها لما تؤسس له في بناء الشخصيات و التعمق في بواطن نفوسهم لمعالجة القضية الاساسية التي يناقشها العمل ، و السبب في حدوثها و توابعها.

و بالطبع قد يختلف معي البعض الذين هاجموا المسلسل  بشدة و أكدوا أنه لا يمكن لامرأة ان تقع في حب من شارك فيما حدث لها ، و لكنهم نسوا تماماً أن هذا العمل مأخوذ من واقعة حقيقية حدثت في السبيعنيات، بما يعني أن المسلسل ليس بخيال علمي أو غير واقعي.

كما انهم لم ينتبهوا للرسالة الاساسية و الأهم للعمل و هي التأقلم على كل شيء و ان الحزن هو الشيء الوحيد في هذا العالم الذي يُولد كبيراً ثم يصغر بمرور الوقت  حتى يتلاشى نهائياً.

فإذا أوقف كل انسان حياته على كارثة حدثت له، لن تستمر الحياة، و ستكف الأرض عن دورانها.

ليس فقط شعور الاطمئنان هو ما يولّد الحب، فالخوف أحيانًا كذلك يجعلنا نحب من لا نريد أن نحبهم، تلك هي قصة الحب بين فاطمة و كريم، فبعد الحادث اصبحت فاطمة خائفة من مواجهة الجميع الذين يرونها مذنبة و ليست مجني عليها، امرأة ساقطة و ليست مغتصبة، فماذا لها أن تفعل سوى قبولها بالزواج بهذا الرجل الذي شارك في حدوث الجريمة بصمته و ندالته.

مسلسل فاطمة :

 تزوجته من خوفها و ضعفها و قلة حيلتها ليس لأنها تريده شريكًا لحياتها بقية العمر، لكنه أصبح كذلك، بكل بساطة نحن البشر لدينا قدرة هائلة للتأقلم على الحزن والخوف، ربما هي نعمة من الله تلهمنا الصبر لكي نعيش هذا الدهر بحلوه و مره، بالخوف الصارخ في أنفسنا، بالحب الكامن بين أضلعنا، استطعنا أن نعيش في الحياة بطريقة تختلف عن كل المجتمعات المتحضرة، لقد وجدنا صيغة معينة تمكننا من العيش مع الكره باعتباره حبًا، و مع الألم وكأنه شعورٌ بالسعادة لا ينتهي، تأقلمت فاطمة و فكرت في البداية الاستمرار مع كريم لأنه الوحيد الذي لا يمكنه جرحها بتذكرتها بالحادث و لأنه الوحيد الذي سيقبلها كما هي، بعدما رفضها من احبت و ظنت انه لن يتركها، ان حبها هذا ليس حباً لكريم و ليس تقبل له أنما حباً لظروفها الجديدة و تقبل لها، فضلاً عن احساسه بالذنب و شعور الندم الذي حمله عبئاً على نفسه بعد الحادثة، فقد شعرت بآلامه و صدق مشاعره و توبته، فغفرت ليس من أجله هو فقط بل من أجل نفسها، فلم تتحسن حالتها النفسية إلا بعدما غفرت و سامحت، فالعفو و المغفرة  ليسوا دواء لداء المذنب فقط، بل هما كذلك ايضاً للمجني عليه، حتى تنعم روحه بالسلام الداخلي و يتخلص من حقده و كرهه الذي قد يقتله أو يجعله يرتكب جريمة.

و بعيداً عن منطقية الأحداث أو عدم منطقيتها فنحن ايضاً أمام تحفة فنية بكل المقاييس ، من حيث الاخراج و التصوير و الحبكة الدرامية و السيناريو المتقن و الأداء المبهر لكل ابطال العمل خاصة بيرين سات و انجين اكيوريك.

مسلسل فاطمة :

حيث تقمصت بيرين سات شخصية فاطمة ببراعة لامتناهية و استطاعت أن تمسح من ذاكرة جمهورها صورة المرأة الخائنة الشريرة التي قدمتها في مسلسل "العشق الممنوع"، و شعر الجمهور انه يراها لأول مرة، و استطاعت ابراز تفاصيل  معانتها النفسية و تدرجها في معاملة كريم من  القسوة إلى اللين و الاستجابة و أخيراً الحب الكبير.

أما انجين اكيوريك فقد فاق مرحلة التقمص و وصل إلى مرحلة الابداع و قد يكون فاقها هي الأخرى حيث انه اخترق شخصية كريم بذاته و لم يتقمصها فقط، فاستطاع بكل حرية، أن يشحن شخصية كريم التي أداها بطاقة المعاني و الدلالات والإيحاءات التي يريدها، فكل ما جرى على لسان شخصية كريم وما توحي به في المسلسل من معاناة نفسية بسبب طفولته البائسة و الحادث الذي ارتكبه و صدمته في اصدقائه، بكل نظرة و كلمة و حركة جسدية عاشها انجين اكيوريك تحت مظلة الإنفعال الفني الذي تتميز به موهبة هذا الممثل العبقري، ما جعله ازاح الشخصية الفنية التي كتبها المؤلف في النص و حاولت المخرجة ابرازها ليقتحمها هو بشخصيته الأصلية، بلحمه و دمه و روحه و كامل عواطفه و بحضور طاغي غير مسبوق، فهو لم ينقل الشخصية التي كُتبت على الأوراق البيضاء و التي صاغها المؤلف بل ارتدى روحها و اعاد تشكيلها في داخله ثم خرج بها للجمهور ليبهرهم بها لتصبح شخصية كريم هي الشخصية الأفضل في تاريخ الدراما التركية حتى الآن.

مسلسل فاطمة :

إن كريم لم يحاول تبرير خطأه، بل  اعترف به أمام نفسه بشجاعة  و واجه ما مر به من صراعات كثيرة و ظل لفترة ينبذ نفسه و يلومها على ما فعلت، ينصت لصوت ضميره القاسي و يُحَمل نفسه الذنب بأكمله، لم يهرب من المسؤولية و حاول تصحيح خطأه و تدارك ما فعل و لو قليلاً بكل ما أوتي من قوة و صبر في محاولة لا شعورية لتهدئة الصراع الملتهب في داخل منظومته النفسية لكي يرتاح و لكنه لم يغفر لنفسه إلا بعدما غفرت فاطمة له.   

مسلسل "ما ذنب فاطمة جول" عمل ناضج ناجح يكمن سر نجاحه باهتمامه  بتفاصيل التفاصيل و هذا ما جعله يكون تحفة فنية قيمتها اكثر من مجرد مسلسل.