الزكاة ليست مالًا يُعطى بل رحمة تُزرع في قلوب تتألم بـ صمت .. امنح دفء قلبك قبل درهمك
في أموالكم حقٌّ للسائل والمحروم .. عطاء يُطفيء جوع الفقراء والمحتاجين .. وتحذير من الله للناس بين زوال النعمة في حالة عدم أداء فريضة الزكاة وبين الهلاك

عندما يهدد الفقر أركان المجتمع .. عندئذٍ لا يكون المال مجرد رزق بل اختبار إلهي لـ ضمير الإنسان .. وهنا تبرز حكمة الله في فرض عبادة الزكاة بـ أنها ليست صدقة ولا منّة بل فريضة إلهية مليئة بـ الرحمة .. فريضة تُطفئ لهب الجوع .. ثم .. ثم تكسر شوكة الكراهية .. و .. و تُعيد دفء العدالة إلى أوصال الحياة .
الزكاة يا سادة صرخة ربانية تنادي في الأغنياء : أنقذوا أرواحكم قبل أن تشتعل من حولكم نيران المحتاجين .. لأنها جدار الله العازل بين بركان الحاجة .. و .. و سكينة النعمة .
وهنا .. و في هذا السياق العادل الرحيم .. أنقل اليكم جوانب من كتاب " الزكاة .. صدفة وقرض حسن " .. وما كتبه المفكر العربي الكبير علي الشرفاء الحمادي .. صاحب المشروع الفكري التنويري المنادي بـ السلام والعدل والرحمة والسكينة .. والعودة الي كتاب الله " القرآن الكريم " .
فقد قال الحمادي : أنه من حكمة الله في فرض الزكاة .. أن أمر الناس بـ بناء علاقة مشاركة الفقراء مع الأغنياء في أرباحهم الصافية .. كلما تحققت لهم الأرباح ودون مدة معينة .. لـ تقليص الفوارق بين طبقة الأغنياء الأقلية وبين طبقة الفقراء الغالبية في جميع المجتمعات الإنسانية .. وهنا يتحقق التقارب الاجتماعي .. والتراحم بين الناس والتعاون على البر والتقوى .. ويأمن الأغنياء مضاعفة ثرواتهم كما وعدهم الله إذا التزموا بفرض الزكاة .
الزكاة فرض واجب على الأغنياء أن يؤدونه للفقراء والمساكين لـ أسباب ذكرت في كتاب الله القرآن الكريم .. إذ يقول سبحانه وتعالي في محكم تنزيله : " وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة " .. البقرة (195) .. وهنا يوضح علي الشرفاء أن هذا تحذير من الله للأغنياء الذين يكتنزون الذهب والفضة .. والأموال تتراكم وتتكاثر في البنوك .. بينما غالبية المجتمع يعيش في فقر مدقع .. وجوع ولا يجدون معه العلاج للمرضى منهم .. ولا يجدون السكن ويرون بـ أعينهم القصور والسيارات الفارهة يتمتع فيها الأقلية .. الذين يملكون كل شيء . والغالبية التي تحتاج النزر اليسير من الحاجات الضرورية لـ استمرار حياتهم .
فالله يحذر الأغنياء من الحقد عليهم واتساع الكراهية منهم .. فـ تثور في النفوس نزعات الانتقام من الأغنياء .. وتشتعل النيران في قلوبهم .. ومن حكمة الله أراد سبحانه أن يبني جسراً بين الأغنياء والفقراء بـ الزكاة .. وجعل للفقراء والمساكين والمحتاجين نصيباً مفروضاً في أرباح الأغنياء .. حتى يطفئوا النار المشتعلة في نفوس المحتاجين والفقراء قبل أن تتحول إلى نار محرقة تأكل الأخضر واليابس .. لذا فقد جعل الله الغالبية الفقيرة والمحتاجة في المجتمعات الإنسانية شركاء في أرباح الأغنياء بـ قوله سبحانه وتعالي : " وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ " .. المعارج (24) .
وقد حدد الله نسبة الغالبية المحتاجة من الفقراء والمساكين .. ومن مثلهم بنسبة عشرين في المائة من الأرباح في مكاسب الأغنياء .. فـ ليست منة من الأغنياء للفقراء بل تحصين وتأمين للأغنياء من السرقات والثورات عليهم من الغالبية العظمى .. الفاقدين لـ أبسط احتياجات الحياة .. ولذلك أمر الله الناس بقوله عز وجل في محكم التنزيل : " وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ " .. البقرة (195) .. ذلك الأمر صمام أمان وحماية لـ أرواح الأغنياء .. وتحصين لـ أموالهم .. وتقريب الفوارق بين الطبقات في كل المجتمعات .. حتى يتحقق الأمن والاستقرار .. وتستمر ثروات الأغنياء تتكاثر وتنمو بـ طاعة الله .. وما ينزله عليهم من النعم والبركات.
لـ ذلك أمرهم سبحانه وتعالي بـ تخصيص عشرين في المائة من مكاسبهم .. وجعل المحتاجين والفقراء شركاء بـ تلك النسبة في الأرباح الصافية .. دون تحديد مدة .. فـ الزكاة مرتبطة بـ المكسب في أي وقت وليست محددة بـ زمن معين .
فـ ليس في الزكاة مجرد درهم يُمنح .. بل أمان يُزرع ورحمة تُغرس .. و .. و جدارٌ من السكينة يُشيد في وجه العواصف القادمة من قلوب جائعة وصدور موجوعة .. لأن من يبخل بـ مال الله فقد خان نعمة الله .. أما من أدّاها فقد كتب لـ نفسه النجاة ولـ أمواله البركة ولـ مجتمعه السلام .. فـ أنفقوا قبل أن تُنفقكم الأيام .. وارحموا قبل أن تشتعل الأرض بـ من حُرِم .. لإن الزكاة ليست فقط طهراً للمال .. بل طوق نجاة للناس والأوطان .. اللهم إني قد بلغت .. اللهم فاشهد .