أسامة إبراهيم يكتب : بين الزكاة والمدينة الفاضلة

منذ قرون طويلة، رسم مفكرون وفلاسفة وشعراء تخيلاتهم ورؤاهم لمجتمعات بشرية مثالية، عبَّروا خلالها عن اعتقادهم بأنها أفضل المدن التي يمكن أن تحقق للبشرية حلم السعادة الأبدية ويسودها الأمن الدائم والمحبة والتعاون والطمأنينة والحرية والرفاهية والرخاء المطلق.
ورغم تعدد الرؤى والتصورات، اتفق هؤلاء المفكرون والفلاسفة- كل من وجهة نظره- على أن المدينة الفاضلة هي النموذج الأمثل الذي ينبغي أن تسعى البشرية لتحقيقه.
وذكر بعضهم أنها كل مدينة يسود بين سكانها التضامن والرحمة والمحبة والمساواة والعدل والحرية والأمن والاستقرار والسلام والكرم والتواضع، والسعي للإصلاح، والمودة والرحمة بين الأزواج، وإعانة المحتاج، وتوقير الصغير للكبير، وعطف الكبير على الصغير، ولين الكلام ولطفه، وسلامة الصدر من الأحقاد، وتجنب الغش والكذب، وتنزيه النفس عن الغيبة والنميمة، والنظافة والنظام وإتقاد العمل.
المعاني السامية في الزكاة
عندما تأملت في هذه المعاني الإنسانية السامية، وجدتها واضحة وضوح الشمس في جوهر الرسالة الإسلامية والخطاب الإلهي المتمثل في القرآن الكريم، فهي تحض على اتباع كل هذه المعاني بشكل مبهر، فالصلاة تعلمنا البعد عن الرذائل والتحلي بمكارم الأخلاق والفضائل، والزكاة السليمة تطهر النفس من البخل والشح، وتهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتكافل الإنساني. وهي بهذا المفهوم ليست مجرد عبادة روحية، بل وسيلة عملية لتنقية النفوس وتنمية المجتمع، وخاصة في مساعدة الفقراء والمحتاجين وتحقيق أعلى قدر من المساواة بين أفراده.
وعندما نقرأ كتاب "الزكاة صدقة وقرض حسن" للمفكر العربي الكبير الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي، نجد أن الزكاة لا تمثل فقط واجبًا ماليًا، بل تحمل في جوهرها رسالة اجتماعية عظيمة، إذ تسعى إلى إزالة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتضمن الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية لكل فرد في المجتمع. وبالتالي فإنها وسيلة مباشرة لمساعدة المحتاجين وتخفيف معاناتهم وتساهم في تلبية احتياجاتهم الأساسية من غذاء، وملبس، ومأوى، وتعليم، وعلاج، مما يساعد على دمجهم في المجتمع ويمنحهم فرصًا أفضل للعيش الكريم.
ومن مواصفات المدينة الفاضلة في الخطاب الإلهي كذلك أنها مدينة مليئة بالحب والعطف، لا يوجد فيها قتل ولا سرقة ولا ظلم ولا طغيان القوي على الضعيف، ولا ما يعكر الصفو.
وعندما يمر أحد بجانبك يلقي عليك السلام ويصافحك بكل مودة وصدق، وإذا اشتكى فيها أحد هبَّ الجميع لنجدته... مدينة صادقة مؤمنة صريحة عادلة، سكانها يحبون بعضهم بعضًا، مطمئن كل منهم إلى أخيه ومحب له.
لعلك تتفق معي- أخي القارئ الكريم- أنه لو وجدت مدينة بهذه المواصفات، فسوف تكون المدينة التي تحض عليها آيات القرآن الكريم.
كاتب المقال : إعلامي وكاتب، عضو مجلس إدارة مؤسسة رسالة السلام العالمية