اهم الاخبار
الإثنين 30 يونيو 2025
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

حكمة الله في فرض الزكاة .. أمر إلهي للناس بـ بناء علاقة مشاركة بين الفقراء الأغنياء

تقليص الفوارق بين الطبقات في كل المجتمعات الإنسانية .. لـ تحقيق البر والتقوي والتراحم والتقارب الاجتماعي

علي الشرفاء الحمادي
علي الشرفاء الحمادي

 

  • فريضة إلهية تُولد في قلب الغني وتنقذ حياة الفقير .. وتكليف رباني يُطهر المال ويعيد للإنسانية توازنها المفقود

عندما يتحوّل المال إلى امتحان للضمير .. ثم .. ثم تغدو العبادة رسالة رحمة وعدل وسلام .. هنا تبدأ رسالة الزكاة وأهميتها .. وتتجلّى كـ تشريع إلهي وفريضةٌ ربانية .. تطهر المال وتنقذ الروح  وتنقي القلب .. و .. و تعيد للإنسانية توازنها المفقود .

هنا .. تصبح الزكاة ليست مجرد رقماً يُقتطع من المال بل هي ميثاقٌ مقدّس بين العبد وربّه .. هي حقٌّ مكتوب للفقراء قبل أن يُولد المال نفسه .. هي عبادة لا تُؤدى بـ الأيدي فقط بل تُكتب في صحائف النور وتُسجّل في موازين الرحمة .. ثم .. ثم تُرفع إلى السماء بصدق النية ونقاء القلب .

طهّر مالك يا مؤمن .. واجزل العطاء من قلبك راضياً مرضياً .. فـ المال مال الله وهذه العبادة وُجدت كي تُحيي النفوس لا لـ تُفرغ الجيوب .

وفي هذا السياق تبدو لنا أهمية كتاب " الزكاة .. صدقة و قرض حسن " للمفكر العربي الكبير علي الشرفاء الحمادي " .. لما فيه من تبيان وتبصير وتنوير للناس .. ففي قلب الشريعة الإسلامية تقف الزكاة شامخة كـ جسر بين الغني والفقير .. إنها ليست مجرد فرض مالي بل رسالة سماوية .. لـ إحياء قيم العدالة وتزكية النفوس وتطهير الأموال .. الزكاة هي الامتحان الإلهي للمؤمنين .. حيث تُقاس به صدق العقيدة وعمق الرحمة وحرارة الإيمان .

والقرآن الكريم رسم خارطة دقيقة لـ مصارف الزكاة .. محدداً الفئات المستحقة التي خُصّت بـ العناية الإلهية .. أولئك الذين أرهقهم الفقر أو قيدتهم الديون أو قطعتهم الطرق .. فـ جعل الله لهم في أموال الأغنياء حقًا معلوماً لا منّة فيه ولا فضل .. بل فريضة سماوية وأمانة أبدية .. إذ يقول المولي سبحانه وتعالى : " وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ ۝ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ " .. صدق الله العظيم .. وما أعظم أن يكون في مال العبد حقٌّ معلومٌ لـ غيره .. لا ينتقص من رزقه بل يبارك فيه ويعلي شأنه .. و .. و يمنح قلبه الطمأنينة والرضا .

كثير من الحقائق المنسية يذكر بها كتاب " الزكاة صدقة وقرض حسن " .. ويؤكد أن الزكاة مرتبطة بـ مفهوم المكسب لا الزمن .. فقد وضعت الشريعة معياراً دقيقاً يربطها بـ صافي الربح .. فـ الإنسان إذا ربح بعد استقطاع كل نفقاته صار ملزماً أن يُخرج خُمس ما كسبه .. أي 20% للوجوه التي حدّدها الله .. وهذا الرقم لم يكن جزافاً بل قُدّر تقديراً لـ يعيد توزيع الثروات ويقيم التوازن الاجتماعي.

اذ يقول الله تعالى : " وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ .. " صدق الله العظيم .. والغنيمة هنا ليست قتالاً فقط بل كل ما يكسبه الإنسان من تجارة أو صناعة أو زراعة أو عمل .. شريطة أن يكون الربح صافياً بعد خصم النفقات .. وجاء التأكيد الإلهي العظيم في قوله عز شأنه وعلا : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُم .. " صدق الله العظيم .. لـ تبيّن أن ما يُنفق لا بد أن يكون من خير ما يُكسب .. وليس من أردئه أو فضلاته فـ الكرم من الطيب لا من الخبيث .

وهنا تبرز فلسفة الزكاة العميقة في المشروع الفكري لـ علي الشرفاء الحمادي .. بـ أنها تزكية معنوية وطهارة مادية في آنٍ واحد وهنا يقول الله تعالى : " خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا " .. صدق الله العظيم .. فما يأخذه الفقير من الغني ليس استجداءً بل تطهيراً لـ ماله وتزكيةً لـ نفسه ووصالاً مباركاً بين القلوب .. ولأن المال قد يورث الغرور ويعزز الأنانية .. فقد جعل الله الزكاة علاجاً ناجعاً لـ شح النفوس فقال عز وجل : " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ .. " صدق الله العظيم .. هذه الآية حددت بدقة مصارف الزكاة .. فـ نزّلتها منزلة القانون الإلهي الذي لا يقبل العبث .. فـ جعلت للفقراء والمساكين والغارمين وابن السبيل والعاملين عليها والرقاب والمؤلفة قلوبهم .. نصيباً مفروضاً لا تهاون فيه .. لا يسقط ولا يُعفى منه .. لأنه فريضة من الله .. والله أعلم بـ من يستحق وأحق بمن يُعطي.

والزكاة ليست محصورة بـ زمن سنوي .. بل مرتبطة بكل لحظة يتحقق فيها ربح أو غنيمة .. إذ لا يليق بـ مؤمن أن يؤجل حق المحتاجين لـ آخر العام .. بينما الفقر لا يؤجَّل والجوع لا ينتظر .. والمتأمل في سياقات الآيات يدرك أن هذا التشريع ليس فقط لـ ضمان العدالة الاجتماعية .. بل لـ صناعة مجتمع متماسك تسوده الرحمة .. ويغشاه التكافل ويطمئن فيه الفرد أن رزقه لا يُبتر ولا يُحتكر .

وهنا قال سبحانه وتعالي : " وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ .. " صدق الله العظيم .. هؤلاء هم المؤمنون الصادقون .. الذين يبادرون بـ الخير ولا يطمئنون لـ أعمالهم فهم دائمًا في خوف من التقصير ورجاء للقبول .. إن فلسفة الزكاة تُبنى على شراكة بين المكلَّف والمحروم .. لا كـ صدقة تعطى بل كـ حق يُؤدى .. فـ الفقير ليس عالة بل شريك في ربح الغني وشاهد على امتحانه .. والغني ليس مالكاً مطلقاً بل مؤتمن على ما رزقه الله مأمورٌ أن يرده إلى أصحابه الذين سماهم الله بـ نفسه في محكم آياته .. عندما قال عز وجل : " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ .. " صدق الله العظيم .. وهذا التعبير الإلهي فريضة .. يؤكد أنها ليست نافلة أو تفضلاً بل ركن من أركان الدين .. وواجب لا يقبل التفريط.

الزكاة في جوهرها ليست مجرد عبادة مالية .. بل امتحان روحي وميثاق عادل وتطهير شامل وتحقيق لـ تكافل اجتماعي إنساني لا نظير له .. إنها نظام اقتصادي وتشريعي وتربوي .. يُعلي من قيمة الإنسان ويُرسي معاني الإحساس .. ويرتقي بـ المجتمع نحو العدالة والتراحم والإنصاف .. وحين تُؤدى الزكاة بحقها وتُصرف إلى أهلها .. تزدهر المجتمعات وتختفي الفجوات .. وتُمحى آثار الفقر ويتحول المال من فتنة إلى نعمة .. ومن سلاح جشع إلى وسيلة بناء ورحمة.

الزكاة ليست فقط طُهرًا للأموال .. بل طُهرٌ للقلوب ومفتاح للبركات و سرٌّ من أسرار صلاح المجتمعات وجسرٌ نحو رضوان الله وجناته لمن وعى الرسالة وصدق الميثاق وآمن بـ الوعد .. اللهم إني قد بلغت .. اللهم فأشهد .