اهم الاخبار
السبت 20 أبريل 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

تحقيقات وحوارات

كيف يتصاعد التفكير التآمري في تشخيص أزمات الشرق الأوسط؟..تحليل استراتيجي

- مركز العالم العربي: النخبة والحكومات تصدر نظرية المؤامرة للشعوب .. لتبرير هزائم الاقليم واسباب الاختراق السياسي

الوكالة نيوز

تزايـد اللجـوء إلـى نظرية المؤامـرة من جانب بعـض الحكومات في الشرق الاوسط كمدخل مفسر لمعظم الازمات والمشكلات أو المهــددات التــي تواجههــا، ســواء داخليــة أو خارجيــة، دون النظـر الـى الأسـباب التـي دفعـت إليهـا والظـروف التـي فرضتهـا ، وعلـى الرغـم مـن أن هـذا النمـط مـن التفكيـر ليـس جديـداً، بـل يظهـر فـي توقيتـات زمنية ترتبـط بهزائـم أو كوارث أو تحديـات تعرضـت لهـا دول الإقليـم، ممـا يسـتدعي البحـث عـن “الخـارج” أو “الآخـر”، الـذي يبقـى دوره منحصـراً فـي الاختـراق السياسـي والاسـتنزاف الاقتصـادي والغـزو الثقافـي والتدميـر النفسـي والاحتـلال بـل و"الانسـحاب" العسـكري .. جاء ذلك في تحليل استراتيجي لـ " مركز العالم العربي للدراسات والابحاث المتقدمة " .

وهنـا تجـدر الإشـارة إلـى أن المؤامـرة قائمـة طـوال الوقـت فـي عالـم النظـم السياسـية والعلاقـات الدوليـة، بـل حـدث تحـول مـن المسـاحات الخفيـة إلـى المؤامـرات العلنيـة، الأمـر الـذي يفـرض علـى دول الإقليـم امتلاك آليات محددة لمنع وقوع تلك المؤامرات أو تقليــص خطرهــا علــى أمــن الــدول واســتقرار المجتمعــات وتماسـك الاقتصاديـات وتقويـة الهويـات ، إلا أن الإيمان بمقولات ونتائـج تلـك النظريـة يغـري الحكومـات بـل والنخـب للاستعانة بها بشكل مستمر ومن ثم يمكن القول ان هناك مجموعة من المداخل المفسرة لانتشار تلك النظرية  فـي الإقليـم، علـى لسـان رؤسـاء دول أو حكومـات أو برلمانـات أو هيئـات لإدارة الأزمـات،  وذلـك علـى النحـو التالـي :

إزاحة المسئولية

1- إبعـاد التقصيـر عـن أداء النخـب السياسـية الحاكمـة : وهـو مـا يرتبـط بالأزمـات العديـدة التـي تواجههـا بعـض الـدول العربيـة، سـواء تعثـر تشـكيل الحكومـات أو سـوء إدارة الأوضـاع الاقتصاديـة أو تزايـد الانقسـامات المجتمعيـة . 
وتبـرز الحالـة اللبنانيـة فـي هـذا السـياق، حيـث دعـا الرئيـس اللبناني ميشـال عـون، فـي بيـان علـى موقـع التواصـل الاجتماعـي “تويتـر” فـي 31 يوليـو الفائـت، ضبـاط الجيـش اللبنانـي إلـى الوقـوف فـي وجـه المتآمريـن علـى أمـن لبنـان فـي الداخـل والخـارج، وهـو مـا يعكـس التفكيـر التآمـري السـائد فـي الذهنيـة الحاكمة علـى الرغم من مسـئولية النخبة السياسـية اللبنانية الحاكمـة عمـا صـارت إليـه أوضـاع لبنـان .

وكذلـك الحـال بالنسـبة للخطـاب الرسـمي التركـي، الـذي يطرحـه الرئيـس رجـب طيـب أردوغـان وبعـض أركان حكومتـه ومستشـاريه فـي تفسـيرهم لأيـة أزمـات تواجهـه شـخصياً وكذلك بـلاده، ولعل آخرهـا أزمـة الحرائـق التـي ضربـت بعض الغابـات .

لـذا، وجهت أحـزاب المعارضة التركيـة انتقادات لحـزب “العدالـة والتنميـة” الحاكـم الـذي يقـوده أردوغـان بالاهتمـام بالبنـى التحتيـة فـي العاصمـة أنقرة واسـطنبول، ثانـي كبـرى مـدن البـلاد، مقابـل تجاهـل المناطـق الأخـرى التـي سـاهم الإهمـال فـي خسـارتها لمسـاحات خضـراء شاسـعة بعـد الحرائـق التي عجزت السـلطات المحلية فيها عن السـيطرة عليهـا لاسـيما فـي ظـل ضعـف خدمـة إطفـاء الحرائـق فـي الغابـات.

وكذلـك الحـال بالنسـبة لحركـة النهضـة فـي تونـس، التي اسـتدعت نظريـة المؤامرة لتفسـير القـرارات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو الفائت إذ اعتبرت انها لا تتعلق بالحفاظ علي  مؤسسـات الدولـة مـن الانهيـار، وإنمـا تهـدف إلـى إقصـاء النهضـة مـن المشـهد السياسـي، علـى الرغم من أن سلوك النهضة وسوء ادارة الحكومة وعوامل اخري هو ما دفع الرئيس لإتخاذ قـرارات مفصليـة تجنبـاً لمسـارات مخيفـة وفقـاً لأسـوأ سـيناريو محتمـل .

تعقيدات الانتقال

2- بقـاء ملفـات ضاغطـة مؤثـرة علـى إدارة المراحـل الانتقاليـة : ولعـل ذلـك ينطبـق علـى الوضـع الـذي يواجـه حكومـة الوحـدة الوطنيـة الليبيـة برئاسـة عبدالحميـد الدبيبـة، إذ قـال الأخيـر أمـام البرلمان الليبـي فـي 9 مـارس الماضـي : “إن هنـاك نحـو 20 ألـف مرتـزق فـي ليبيـا وهـو مـا يحتـاج إلـى تواصـل مـع كافـة الأطـراف لإخراجهـم”، مضيفـاً: “يجـب التفكيـر بحكمـة لحـل هـذه الأزمـة فـي ظـل وجـود أطمـاع فـي ليبيـا” .


وعلـى الرغـم مـن مرور خمسـة أشـهر علـى هـذا التصريح، لازالت مشـكلة المرتزقـة قائمـة نظـراً لتوظيـف تركيـا هـذا الملـف لترسـيخ نفوذها داخـل ليبيا والاسـتفادة بعقـود إعادة الإعمـار والتلويـح بورقـة اللاجئيـن لبعـض دول الاتحـاد الأوروبـي ، ولـذا يبقـى منطق المؤامـرة قائماً فـي هـذه الحالـة.

خلافات الأجنحة

3- منـع أيـة محـاولات لانقسـام المكونـات/ الأجنحـة العسـكرية : الأمـر الـذي يتضـح جليـاً فـي حالـة السـودان فـي ظـل أحاديـث متواتـرة مـن بعـض وسـائل الإعـلام عـن خلافـات بيـن الجيـش مـن ناحيـة وقـوات الدعـم السـريع التـي يقودهـا الفريـق أول محمـد حمـدان دقلـو “حميدتـي” مـن ناحية أخـرى، بما قـد يهـدد اسـتعادة الاسـتقرار بعـد سـقوط نظـام البشـير .

وفـي هـذا السـياق، أكـد رئيـس مجلـس السـيادة الانتقالـي الفريـق أول ركـن عبدالفتـاح البرهـان، لـدى مخاطبتـه قـوات الدعـم السـريع فـي 26 يوليـو الفائـت، علـى أن “الجيـش وقـوات الدعـم السـريع قـوة واحـدة، وأنهـا لـن تتـرك ثغـرة لمـن يريـد إثـارة الفتـن والمكائـد وسـط القـوات النظاميـة”، مضيفـاً أن “قوتنـا فـي وحدتنـا، ونريـد أن تصـل هذه الرسـالة لـكل منسـوبينا فـي كل مـكان”، وأضـاف البرهـان: “طالمـا أن الجيـش وقـوات الدعـم السـريع موحـدة ومتفقـة، فلـن تضـار البـلاد مـن شـيء، وواجبنـا وهدفنـا حمايـة وحراسـة هـذه البـلاد”.

عداوة الجغرافيا

4- توظيـف الخلافـات السياسـية مـع بعـض دول الجـوار الجغرافـي: تسـتند بعـض حكومـات الإقليـم إلـى وجـود خلافـات مسـتدامة مـع بعـض دول الجـوار لتبريـر الإخفاقـات التـي تتعرض لها بيـن الحين والآخـر، وهـو مـا يعبـر عنـه الخطـاب الرسـمي الجزائـري فـي اسـتدعاء الـدور “المغربـي” لتفسـير أيـة أزمـات تواجههـا الجزائـر وصـرف الأنظـار عـن الضغـوط الاقتصاديـة والمعيشـية الداخليـة، وهو مـا يرتبـط بالتصـورات الذهنيـة لنخـب الدولتيـن بأنهمـا يمثـلا مصـدر تهديـد للأمـن الوطنـي للدولـة الأخـرى لاسـيما فـي ظـل دعـم الجزائـر لجبهـة البوليسـاريو والإشـارة إلـى تأييـد المغـرب لمطلـب بعـض القبائـل الداعيـة للانفصـال عـن الجزائـر. إذ أدانـت وزارة الخارجيـة الجزائريـة مـا وصفتـه بــ “الانحـراف المغربـي الخطيـر”، قائلـة إن التصرف الأخير للممثلية الدبلوماسـية المغربيـة في نيويورك يعـد “مؤامـرة تحـاك ضـد وحـدة الأمـة الجزائريـة”.

وقالـت وزارة الخارجيـة فـي بيـان لهـا فـي 16 يوليـو الفائـت: “قامـت الممثليـة الدبلوماسـية المغربيـة بنيويـورك بتوزيـع وثيقـة رسـمية علـى جميـع الـدول الأعضـاء فـي حركـة عـدم الانحيـاز، يكـرس محتواهـا بصفـة رسـمية انخـراط المملكـة المغربيـة فـي حملـة معاديـة للجزائـر، عبـر دعـم ظاهـر وصريـح لمـا تزعـم بأنـه حـق تقريـر المصيـر للشـعب القبائلـي” الـذي، حسـب المذكـرة المذكـورة، “يتعـرض لأطـول احتـلال أجنبـي”. كمـا قـال رئيـس مجلـس الأمـة الجزائـري صـلاح قوجيـل، فـي 9 مايـو الماضـي فـي حـوار مـع صحيفـة “ليكسبريسـيون” الجزائريـة، أن “هنـاك اسـتهدافاً للجزائـر مـن لـدن المغـرب، الـذي يسـتعمل إسـرائيل كفزاعـة” وأن “التقـارب المغربـي الإسـرائيلي يؤكـد تشـابه البلديـن فـي احتـلال أراضـي غيرهمـا”.

غضب الطبيعة

5- صعوبـة التعامـل المفاجـئ مـع أزمـات الطبيعـة: تواجـه دول العالـم بشـكل عـام تغيـرات مناخيـة ضاغطـة، متمثلـة فـي ازديـاد معـدلات فيضانـات وارتفـاع درجـات الحـرارة بشـكل يجعـل المنـاخ أقـرب إلـى “العـدو” الـذي لا يمكـن السـيطرة عليـه، وهـو مـا تعكسـه الحرائـق التـي التهمـت مسـاحات شاسـعة مـن الغابـات فـي عـدد مـن دول الإقليـم، مثـل الجزائـر وتونـس ولبنـان وتركيـا وإسـرائيل، والتي وصلت السنتها الي بعض السكان مخلفة خسائر بشرية ومادية الامر الذي يبدو جلياً في التصريحـات الرسـمية داخـل تلـك الـدول .

فعلـى سـبيل المثـال، قـال الرئيـس الجزائـري عبدالمجيـد تبـون ، فـي خطـاب إلـى الشـعب فـي 13 أغسـطس الجـاري: “إن أغلـب الحرائـق التـي اجتاحـت مناطـق مـن البـلاد، وأسـفرت عـن وقـوع عشـرات الضحايـا، كانـت مـن فعـل أيـا ٍد إجراميـة”، مضيفـاً: “جددنـا كل إمكانياتنـا البشـرية والماديـة لمواجهـة الحرائـق التـي لـم يعرفهـا الوطـن منـذ عشـرات السـنين” .

وأكـد رئيـس أركان الجيـش الفريق سـعيد شـنقريحة، فـي 19 أغسـطس الجـاري، أن “تلـك الحرائـق كانـت عينـة مـن مؤامـرة شـاملة”، مضيفـاً أن “الدولـة عقـدت العـزم علـى إفشـالها” ، كما اعتبر الرئيس التونسي قيس سعيد خلال اشرافه علي اجتماعات اللجنة الوطنية لمجابهة الكـوارث فـي 13 أغسـطس الحالـي، “أن هنـاك حرائـق طبيعيـة وأخـرى مفتعلـة، وأن الـذي يشـعل النيـران سـيحترق بألسـنتها لأن ذلـك يرتقي إلـى مرتبة الجريمة”، مؤكداً أن “القوات المسـلحة التونسـية والأمنيـة سـتتصدى لمـن يريـدون إحـراق الغابـات والحقـول لأنهـم يريـدون التنكيـل بالشـعب” .

وفـي سـياق متصـل، قـال الناطـق باسـم الحمايـة المدنيـة فـي تونـس معـز بوتريعـة أنـه “غيـر مسـتبعد أن تكـون الحرائـق مفتعلـة نظـراً لتوقيـت اندلاعهـا والمناطـق التـي اندلعـت فيهـا وتقاربها زمنيـاً وحدوثها فـي توقيـت متأخـر مـن الليـل”، واتفـق معـه رئيـس مصلحـة حمايـة الغابـات في تونـس زهير بن سـالم بـأن معظـم الحرائـق التـي نشـبت فـي تونـس، أخيـراً، “كانـت بفعـل فاعـل .

ولـم تختلـف صيغـة الحكومـة الإسـرائيلية عـن تصـورات بعـض الحكومـات العربيـة فـي تشـخيصها لأزمـة الحرائـق، حيـث أعـرب محققـو مصلحـة الإطفـاء فـي إسـرائيل، فـي تصريحـات صحفيـة فـي 17 أغسـطس الحالـي، عـن أن “الحرائـق التـي تجـددت فـي غابـات القـدس تمـت بفعـل فاعـل، عمـداً أو مـن غيـر قصـد”، ودعـت الشـرطة إلـى التحقيـق فـي الأمـر لمعرفـة الفاعليـن، بعـد تضـرر المنازل والممتلـكات الخاصـة .

كمـا أعلنـت وكالـة أنبـاء “الأناضـول” الرسـمية عـن إحبـاط السـلطات التركيـة مطلـع أغسـطس الجـاري، محاولـة لافتعـال حريـق فـي غابـة تقـع بالقرب من ثكنة عسـكرية فـي ولاية إزميـر الواقعـة غربـي البـلاد، ورغـم ذلـك لـم يتمكـن رجـال الشـرطة مـن إلقـاء القبـض علـى أولئـك الذيـن كانـوا يحاولـون إشـعال النيـران فـي غابـات تلـك المنطقـة .

دروس أفغانستان

6-تسـارع التحـولات السـائلة فـي المناطـق المضطربـة : وهـو ما تعكسـه الحالـة الأفغانية بعد سـيطرة سـريعة لحركـة طالبـان علـى السـلطة عقـب سـقوط معظـم المحافظـات، وهـروب الرئيـس أشـرف غنـي وانهيـار الجيـش الأفغانـي، الأمـر الـذي طـرح عـدة تفسـيرات تآمريـة ومنهـا اتفـاق إدارة الرئيس الأمريكـي جـو بايـدن مـع قيـادات حركـة طالبـان علـى تسـلم السـلطة فـي مقابـل إجـلاء الرعايـا وعـدم اسـتهداف السـفارة، بـل طـرح البعـض إمكانيـة خـروج واشـنطن لتتـورط قـوى دوليـة وإقليميـة فـي المسـتنقع الأفغانـي، وخاصـة موسـكو وبكيـن وطهـران، مـع الأخـذ فـي الاعتبـار وجـود أبعـاد أخـرى للانسـحاب مثـل التكلفـة الماليـة والخسـائر البشـرية للبقـاء، والتوقيـع المسـبق علـى الانسـحاب في عهد إدارة الرئيـس السـابق دونالـد ترامـب، ووجـود أشـكال أخـرى محتملـة لبقـاء واشـنطن، علـى نحـو يعكـس عـدم الفجائيـة مـن قـرار بايـدن بالانسـحاب، فضـلاً عـن تمكـن حركـة طالبـان مـن تطويـر قدراتهـا الذاتيـة للعـودة إلـى السـلطة بعـد عقديـن مـن الزمـن .

القابلية للتصديق

خلاصـة القـول، إن هنـاك حـالات مختلفـة تعكـس انتشـار التفكير بمنطق المؤامرة بشـكل اكتسـاحي في الشـرق الأوسـط، لاسـيما فـي ظـل بيئـة سياسـية ومجتمعيـة قابلـة لتصديـق ما تطلقـه الحكومـات، رغم مسـئولية تلـك النخـب عـن الأزمـات التـي تتعرض لهـا دولها، ومنهـا أزمة حرائـق الغابـات، وإن كانت هنـاك اتجاهـات تعكـس وجـود مؤامـرة فعليـة لاسـتيلاء قوى إقليميـة على ثـروات اقتصادية لـدول مثل ليبيـا، وتوريـط قـوى خارجيـة فـي مسـتنقع أزمـات مثلمـا عكسـه الانسـحاب الأمريكـي من أفغانسـتان، والـذي سـتمتد تأثيراتـه إلـى الشـرق الأوسـط عاجـلاً أو آجلاً.