علي الشرفاء الحمادي يكتب : أمة ضيّعت القرآن .. وتقاتلت على السراب

لقد اختزل المجرمون، أولهم اليهود والمجوس معاً، الإسلام في خمسة فروض، بينما الإسلام يتضمن في القرآن المجيد شرعة ومنهاجاً تتجاوز أكثر من ٥٣٠ آية فيها أحكام العبادات وتشريع المحرمات والنواهي، ودليل المنهاج الإلهي يهدي الإنسان إلى طريق الإيمان، وتجعله من المسلمين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
أما بعد هجرهم الآيات القرآنية وشرعة الله ومنهاجه الذي يخرجهم من الظلمات إلى النور، وطالما أن الناس لم يتخذوا القرآن وتشريعاته هادياً ومرشداً لهم في الحياة الدنيا، وتخلوا عن الآيات القرآنية لصالح الروايات الشيطانية التي أضلتهم، وجعلتهم يتيهون في الظلمات بين النزاع والخلافات، بين قاتل ومقتول، وبين سارق ومسروق، بين غاصب ومغصوب، بين ظالم ومظلوم.
فرقتهم الفتن، وتنازعتهم المطامع، وتنافسوا على المراكز والمكانة، وارتضوا بالذل والمهانة، وباعوا الضمير في سبيل تحقيق المصالح الأنانية، واختفت العدالة، وحل محلها الغدر والقذارة. وأصبحت الغاية تبرر الوسيلة، فلا خوف من الله، ولا معرفة حقيقية بشروط وواجبات إسلامهم.
تفرقوا شيعاً وأحزاباً وطوائف وأرباباً، تحاربوا على من يستولي قبل أخيه على السلطة، فأدخلوا بينهم صناع الفرقة، فتحوا الأبواب لقطاع الطرق، وتسابقوا من يقدم لهم أمواله وثرواته، بعد أن أوهموه بحماية سلطته، ونسِي أن الله في أي لحظة يأخذه بقدرته، ويجعله عبرة للناس في سلطته.
ونسي قول الله سبحانه وتعالي : (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء، بيدك الملك إنك على كل شيء قدير) - آل عمران (26)
ثم بيّن الله للناس في قرآنه وصفه للحياة الدنيا، قوله سبحانه: (إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء، فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام، حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت، وظن أهلها أنهم قادرون عليها، أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً، فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس، كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) - يونس (24)
وقد ضرب الله سبحانه للناس أمثلةً عديدة في الآيات القرآنية، تؤكد تحذيره، وكم قضى على إمبراطوريات وممالك وحضارات سادت ثم بادت، ليتخذ الناس من تلك الحقائق الماضية عبرة، حتى لا يتجاوزوا مبادئ الرحمة والعدالة والإحسان، واحترام حقوق الإنسان، وحماية حريته في اختيار دينه دون إكراه، والتعاون على البر والتقوى، والإنفاق في سبيل الله، والرفق بالفقراء والمساكين والمحتاجين، وتأدية مستحقاتهم من الزكاة، والمحافظة على كرامته كما كرّمه الله، في قوله سبحانه:
(ولقد كرمنا بني آدم، وحملناهم في البر والبحر، ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) - الإسراء (70)
كذلك، إن كنا مسلمين ومؤمنين بكل تشريع إلهي، والالتزام بتطبيق المنهاج الإلهي في المعاملات والعلاقات الإنسانية، مطيعين الله، ملبّين ما بلغنا رسوله عليه السلام من الآيات القرآنية، حينئذ نستحق أن نطلق على أنفسنا مسلمين مؤمنين بالله وبرسوله وبآيته.
وعلى كل منا أن يعرض نفسه على التشريع الإلهي ومنهاجه، إن كان مطبقاً شروط الإسلام والإيمان على أعماله في الدنيا. ووجد نقصاً في شرط من شروط المسلم الحق، فعليه أن يراجع نفسه قبل أن يأتيه الأجل، وعليه أن يتفكر في كتاب الله ليتبين له الحق من الباطل، ليهديه الله للطريق المستقيم، ويفوز برضاه في الدنيا، ليجعل حياته في سعادة وسلام.
وأما من فشل في تصحيح مساره، ولم يستجب لطاعة ربه، فقد خسر الدنيا والآخرة.
اللهم إني بلغت، اللهم فاشهد.