اهم الاخبار
الإثنين 29 ديسمبر 2025
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

علي الشرفاء الحمادي يكتب : قراءة قرآنية في تهنئة غير المسلمين

علي الشرفاء
علي الشرفاء

إنَّ الذين يُحرِّمون تهنئةَ إخوتهم المسيحيين في أعيادهم، ويُفتون بفتاوى لا تتفق مع رسالة الإسلام في الذكر الحكيم الذي يخاطب الناس جميعًا، إنما يُغفلون مقصدًا أصيلًا من مقاصد الرسالة وهو السعي بكل الوسائل لنشر السلام في المجتمعات الإنسانية، ليعيش الناس حياةً يسودها الاستقرار والأمن والطمأنينة، فلا تُفرِّق بينهم فتنُ الشياطين، ولا تُوظِّفهم أهدافُ المغرضين الذين يفترون على الله ورسوله الكذبَ بالروايات المسمومة؛ ليخدعوا المسلمين بأقوالٍ مزوَّرة .

  • حقَّ التحريم والتحليل

(يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَمَا يَخْدَعُونَ إلا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)(البقرة: ٩) لم يمنح اللهُ رسولًا أو نبيًّا منذ خلق الأرض والإنسان حقَّ التحريم والتحليل للناس، وقد أكدت آياتُ الذكر الحكيم ذلك بقول الله سبحانه:(وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلَـٰلٌۭ وَهَـٰذَا حَرَامٌۭ لِّتَفْتَرُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) (النحل: (١١٦)

ثم يأمر اللهُ الناسَ جميعًا أن ينشروا السلامَ بينهم، في قوله سبحانه:(وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍۢ فَحَيُّوا۟ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ حَسِيبًا) (النساء: ٨٦).

  • نشر السلام بين البشر

إنَّ الذين يُحلِّلون ويُحرِّمون بحاجةٍ إلى التعرف إلى دينهم وفهم رسالة الإسلام التي تدعو للرحمة والعدل ونشر السلام بين جميع البشر ولا يفرّق الإسلام في الحياة الدنيا بين مسلمٍ وبين أصحاب الأديان الأخرى من حيث الكرامة الإنسانية؛ إذ إنَّ الميزان عند الله هو التقوى، والله وحده صاحب الحق في محاسبة عباده الذين ابتعدوا عن طريق الحق الذي بيَّنه سبحانه في شرعته ومنهاجه، وفي نواهيه عن المحرمات والمعاصي.

  • الحساب يوم الحساب

وقد أمر اللهُ المسلمَ أن يتبع المنهاج الإلهي في التعامل بالحسنى والكلمة الطيبة، وأن يدفع بالتي هي أحسن، وألّا يتكبر على غيره من الناس الذين خاطبهم الله في رسالته بقوله:{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوبًۭا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا۟ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌۭ} (الحجرات:( ١٣)وعنده الحسابُ ولديه الجزاء، وحكمه على الناس وفق قوله سبحانه:(إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِينَ هَادُوا۟ وَٱلصَّـٰبِـِٔينَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوا۟ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ) (الحج: ١٧).

  • الجميع محاسب أمام الله

فلا فضل لمسلمٍ على مسيحيٍّ أو يهوديٍّ أو مشركٍ أو مجوسيٍّ أو غيرهم من أصحاب العقائد الأخرى؛ فالله وحده من يحاسبه، وهو سبحانه الذي يحدد جزاءه: جناتُ النعيم أو نارُ الجحيم لذلك لا يتكبر المسلم على غيره من أصحاب العقائد الأخرى، ولا يعتبر نفسه أفضل من غيره؛ فكل الناس سيقفون أمام الله يوم الحساب، يوم يُخرج للإنسان كتابًا فيه أعماله كلها من حسناتٍ وسيئات، وقد نهى اللهُ سبحانه عن التكبر على عباده فقال:{وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِى ٱلْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍۢ فَخُورٍۢ} (لقمان: ١٨).

  • شفاعة الرسول يوم القيامة

فليحذر المسلمون من التكبر على أصحاب الأديان الأخرى، وليتقوا الله ويحاسبوا أنفسهم على ما كانوا يعصون الله ويرتكبون من الذنوب والجرائم، معتقدين أن الرسول عليه السلام سيشفع لهم يوم الحساب؛ في الوقت الذي يعرّف الرسولُ نفسَه للناس في أمر الله له:{قُل لَّآ أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًۭا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لَٱسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ ٱلسُّوٓءُ ۚ إِنْ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٌۭ وَبَشِيرٌۭ لِّقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف: ١٨٨)

فإذا كان الرسولُ عليه السلام قد نطق بما أمر اللهُ به: أنه لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا إلا ما شاء الله، فكيف سينفع العصاةَ وأصحاب الذنوب يوم الحساب، وكيف تُبدَّل سيئاتهم حسناتٍ بغير ميزان؟ وهل ما أفتى به بعض شيوخ الدين يتفق مع الذكر الحكيم؟ وهل يساوي الله بين الصالحين وبين الضالين، وقد وضع سبحانه قاعدةً للحساب بقوله:{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًۭا يَرَهُۥ (٧) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍۢ شَرًّۭا يَرَهُۥ (٨)} (الزلزلة: ٧–٨).

  • اتقوا الله ان كنتم مسلمين

ألم يقرأ أولئك الذين يدّعون أنهم مسلمون وشيوخ دين وعلماء المسلمين قولَ الله سبحانه مخاطبًا رسولَه عليه السلام في القرآن المجيد:(رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ ۖ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ۚ وَمَآ أَرْسَلْنَـٰكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًۭا) (الإسراء: ٥٤) فاتقوا اللهَ إن كنتم مسلمين، وارجعوا تشريعاتكم إلى المرجعية الوحيدة لرسالة الإسلام: الذكر الحكيم، وما بيّنته آيات القرآن الكريم من التشريعات للعبادات، والمحرمات، والنواهي عن الذنوب والمعاصي، والمنهاج الإلهي الذي يبين سلوك الناس ومعاملاتهم فيما بينهم. طبّقوا ذلك في حياتكم، حتى لا تقفوا أمام رب العالمين يوم الحساب في حيرة من أمركم؛ لا تنفعكم شفاعةٌ ولا أنتم تُنصرون، حيث يخاطبهم الله سبحانه بقوله:(أَلَمْ تَكُنْ ءَايَـٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا۟ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًۭا ضَآلِّينَ) (المؤمنون).

  • ارجعوا الي الله

وهكذا يقضي الله عليهم بحكمه كما قال سبحانه:(وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌۭ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءَايَـٰتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا ۚ قَالُوا۟ بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ) (الزمر: ٧١)فارجعوا إلى الله أيها المتقولون على الله ورسوله، وتوبوا عن إصدار الأحكام على الناس في عباداتهم؛ فالله وحده المختص بحسابهم يوم الدين.