تحقيقات وحوارات
القرآن دستور حياة لا طقس عبادة .. لماذا نقرأ آياته ولا نعيش قيمه ؟
- علي الشرفاء : كلام الله بين أيدينا ويغيب عن حياتنا .. والإيمان به ليس ركعات انما عدل يمشي على الأرض
خلق الله الإنسان في هذه الدنيا ولم يتركه عبثا بلا دليل او خريطة .. ثم .. ثم خلق له الارض لـ تكون ميدان اختبار عن أعماله وافعاله في الدنيا .. خلقه وزوده بـ أعظم وسيلتين للنجاة آلا وهما : " العقل كي يفكر به .. و الوحيٍ كي يهديه الي طريق الخير والرشاد .
ومن هنا كان ارسال الأنبياء والرسل ضرورة وجودية وتاريخيه في حياة الانسان .. لـ يعرف ماهية العالم الذي يسكنه .. والنفس التي يحملها .. والطريق الذي ينبغي أن يسلكه .. حتي يعيش آمناً مطمئنا لا خائفاً من الدنيا وغوايتها .
.. و من هذا المنطلق كان مقال المفكر العربي الكبير علي الشرفاء الحمادي والذي يحمل عنوان : " القرآن سعادة في الدنيا وجنة في الآخرة " .. مقال كاشف لـ معالم الطريق .. يخاطب فيه الإنسان بوصفه كائن حي جاء به المولي عز وجل الي هذا الوجود لـ حكمة .. ولم يأتي به عبثاً ولا مصادفة .
مقال يوجه فيه نداء يهز الروح : لماذا نزل الوحي ؟ .. ولماذا خلق العقل ؟ .. وما الفرق بين قرآن يتلي وقرآن يعاش ؟ .. إذ يتحدث مقال الشرفاء عن مهمة الوحي وجوهر الرسالة الإلهية .. وان الكتب السماوية لم يرسلها الله جل علاه كي تعلق على الجدران .. أو لـ تتلي في المواسم والمناسبات .. انما جاءت لـ تكون نبراس ودستور للحياة الدنيا.
.. ثم .. ثم يتحدث علي الشرفاء عن القرآن الكريم وما به من رسائل روحيه إلهية .. وما فيه من نظام شامل للحياة .. ينظم علاقة الإنسان بنفسه .. وبربه .. وبغيره .. وبالمجتمع، .. وبالسلطة .. وبالمال .
قرآن يعالج النفس قبل أن يفرض الأحكام .. يمنع الجريمة قبل أن يعاقب عليها .. يحصّن الإنسان من الانزلاق قبل أن يوبخه بعد السقوط .. كتاب وقاية لا كتاب ردع فقط .. كتاب بناء لا كتاب تخويف وترهيب .
ثم .. ثم يعرج علي الشرفاء الحمادي في خطابه التنويري الي قلب المجتمع .. وما يعانية من أسقام تغيب العدالة .. وتهز القيم .. وتعبث في مضمون الرسالة الالهية .. وما بها من تعاليم وقوانين تحفظ الحق وتحمي الحقوق .
اذ يتحدث عن الزكاة تلك الفريضة الإلهية .. الركن الركين في اركان الإسلام الخمس .. يتحدث عنها الحمادي بوصفها نظام إنساني قبل ان تكون فريضة ربانية .. نظام يحفظ العدل .. ويحقق الامان .. ويعيد توزيع الثروة والمال .. ويمنع التفاوت الطبقي القاتل .. الذي يولد الحقد .. ويزكي الاضطراب والعنف والفتن .. يتحدث عن الزكاة بوصفها شراكة مجتمعية اجتماعية .. تحصن القوي .. وتمنح الضعيف الفقير حقه في مال الغني دون ذل وإذلال .
كما يتحدث الشرفاء الحمادي في مقاله عن : " الكلمة الطيبة .. وخفض الجناح .. و نصرة المظلوم .. وإغاثة المهموم .. و برّ الوالدين .. وحفظ الكرامة الإنسانية .. وكبح الاستعلاء .. و احترام الدماء والحقوق " .. وهنا تتضح الغاية والرسالة الكبرى بأن الإيمان بالله ليس مجرد حالة شعورية .. ولا يقاس بعدد الركعات .. لكن الايمان بالله معاملة وعدل وقسط بين الناس .
.. ثم .. ثم يصل الحمادي في مقاله الي النقطة المفصلية .. والخلل الاخطر الذي يصيب واقع أمة الإسلام .. ألا وهي " هجر القرآن " .. وتحويله الي مجرد طقس صوتي .. ومن منهج أخلاقي إلى نشيد يُتلى لـ مجرد طمأنة الضمير .
يقرأ الإنسان ويصلي ويكثر من الدعاء والشعارات .. ثم .. ثم يظلم ويقتل ويغش ويحتل .. وكأن مجرد تلاوته للنص المقدس تمنحه شهادة براءة مسبقة .. وتعطيه صك يبرر له الغش والانحراف ان سبيل الله .
.. و .. و هنا يعلو صوت علي الشرفاء بـ التحذير : القرآن لا يحمي من خان قيمه .. القرآن لا يشفع لمن اتخذ التلاوة ستار للعدوان .. فمن يفصل بين الإيمان والسلوك .. إنما يستبدل شريعة الله بشريعة الغلبة والقوة .. مهما علا صوته بالذكر .. ومهما طال وقوفه علي المنبر أو في مقدمة الصفوف .
ويبلغ مقال علي الشرفاء ذروته في خاتمة السطور .. عندما يعيد تعريف معنى " المسلم " .. وان المسلم ليس من ولد في بيئة مسلمة .. ولا من أتقن الطقوس .. انما المسلم هو من أسلم قلبه وسلوكه وقيمه لله سبحانه وتعالي .. المسلم من آمن بالآيات ثم ترجم إيمانه الي عدل ورحمة وسلام بين الناس .
علي الشرفاء لا يدعو الانسان إلى قراءة القرآن أكثر .. انما يدعوه الي أن يعيش القرآن أكثر وأكثر .. لا يطالبه برفع الصوت في التلاوة .. انما يدعوه لـ خفض الظلم عن الارض .. يدعوه ان يضع القرآن في قلبه وعقله لا شفتيه .. فالقرآن لا يريد أصوات تتلوه انما يريد قلوب تحمله .. وسلوك يشهد له في الأرض .
انها دعوة لليقظة .. واستبدال الطقس بـ الهداية .. اللهم اني قد بلغت اللهم فاشهد .