مجدى طنطاوى يكتب : الشيخ زايد في عيون علي الشرفاء الحمادي .. قائد بحجم أمة وروح لا تنكسر

حين يتحدث الكبار عن الكبار يُصبح الحديث شهادة تاريخية تتجاوز حدود الحبر والورق، وتُصبح مرآة صادقة تعكس جوهر القادة العظام.
هذا ما نلمسه حين يُسطر المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، المدير العام لديوان دولة الإمارات في عهد الشيخ زايد، شهادته عن رجل لم يكن حاكمًا فحسب، بل كان حكيمًا وضمير أمة، وصوت حق، وقلبًا نابضًا بالعروبة والإنسانية.

- زايد .. مرجعيته السماء وقلبه للأرض
يؤكد الشرفاء الحمادي أن زايد، رحمه الله، لم تكن له مرجعية سوى الله، لم يكن أسير حسابات السياسة ولا تقلبات المصالح، كان ينطلق من يقين داخلي بأن الحق لا يُساوَم، وأن الكرامة لا تُباع، وأن الإنسان هو أغلى ما في هذا الكون.
يقول الشرفاء عن شيخه وولي أمره : كان شجاعًا في قول الحق، قويًا لا يلين حين يتعلق الأمر بالصدق، لا يخاف في الله لومة لائم.”
هذا الإيمان العميق، وهذا اليقين النادر، جعلا من زايد رجلًا يصنع الفارق في كل موقف، ويرسم دربًا واضحًا حين تتوه الطرق.

- أكتوبر 73.. حين قرر زايد أن البترول لا يساوي دمًا
لا تُنسى اللحظات التي ترسمها الأقدار على جبين التاريخ، ومنها تلك الواقعة التي رواها الشرفاء الحمادي، حين سأله الشيخ زايد عن موقف وزراء البترول العرب في اجتماع عُقد أثناء حرب أكتوبر المجيدة.
كان الجواب أن الدول قررت خفض ضخ البترول للغرب بنسبة 5%.
لحظة صمتٍ تلتها كلمات لا تزال تُروى كأنها قَسَم:
“اتصل فورًا بالوزير مانع العتيبي وبلّغه قرار الإمارات التاريخي: وقف تصدير البترول بنسبة 100%.”
لم تكن تلك مجرد سياسة، بل كانت صرخة في وجه العالم، صرخة قائدٍ يقول بملء الفم:
“البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي.”
جملة أصبحت عنوانًا للكرامة العربية، وتأكيدًا أن زايد لم يكن يخشى أن يدفع الثمن، إن كان الثمن يُحفَظ به دماء الأشقاء.

- زايد والإنسان.. الرحمة التي لم تعرف حدودًا
زايد لم يكن قائدًا لدولة فحسب، بل كان أبًا لكل إنسان، لا ينام إلا وقد سأل عن فقير، ولا يهدأ إلا إذا وصلت المساعدة لمن يحتاجها.
كان رحمه الله يقول دائمًا : الثروة الحقيقية ليست المال، بل الإنسان.
لذلك أطلق مبادرات لا تُعد ولا تُحصى، في الداخل والخارج؛ من دعم التعليم والصحة في كل إمارات الدولة، إلى إرسال المساعدات الإنسانية إلى أقاصي الأرض في آسيا وإفريقيا، وكل بقعة تشكو الجوع أو العطش أو الحرب.
كان، رحمه الله، يرسل طائرات الإغاثة إلى منكوبي الزلازل في الهند، والمجاعات في الصومال، والحروب في لبنان، دون أن يسأل عن دين أو عِرق أو لون.

- زايد في وحدته.. حلمٌ تحقق بحكمة وشهامة
لم يكن مشروع الاتحاد في بداياته إلا حلمًا، يراه كثيرون مستحيلًا، لكن زايد رأى فيه مصيرًا لا بد من تحقيقه، بيده التي لا تعرف إلا البناء، وصبره الذي لا ينفد، وحكمته التي أبهرت القريب والبعيد.
بنى صرح الاتحاد مع إخوانه حكام الإمارات.
قال يومًا: إن الاتحاد يعيش في قلبي وكياني، وأعمل من أجله ليل نهار، وأضعه قبل أي اعتبار.
وكان له ما أراد، فنهضت الإمارات من صحراء قاحلة إلى دولة تحاكي الكبار، لأنها وُلدت من رحم الصدق، وتغذت على الإخلاص، وكبرت في حضن رجل لا يشبه إلا القمم.

- زايد في القدس.. وفي الجولان.. وفي كل بيت عربي
لم تكن عروبته شعارات، بل كانت دمًا يسري في عروقه، لم يتأخر يومًا عن دعم قضية عادلة أو الوقوف مع مظلوم.
وفي فلسطين، لم تغب كلماته، ولا مواقفه، ولا وقوفه إلى جانب الحق الفلسطيني، سياسيًا وإنسانيًا وماديًا.
وفي لبنان، كان له موقف مشرف في كل نكبة؛ من الاجتياح إلى الحرب الأهلية.
وفي سوريا، مدّت الإمارات يدها في أصعب الظروف.
كان يردد دومًا: نحن عرب.. وما يؤلم أي عربي يؤلمنا، وما يُفرحه يُفرحنا.

- زايد باقٍ.. في الضمير قبل الصور
اليوم، وبعد أكثر من عقدين على رحيله، لا تزال سيرته حيّة لم تُنسَ، لأنه لم يكن رجلًا عاديًا، بل كان وطنًا في رجل، وحُلمًا في قلب، وصوتًا للحق في زمن تباعدت فيه الأصوات.
شهادة المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي ليست مجرد رواية، بل وثيقة محبة ووفاء من رجل عاش في قلب زايد، وعرف من قرب طهارة سريرته، ونُبل أهدافه، ونقاء إنسانيته .
كاتب المقال : مدير تحرير جريدة الجمهورية والمدير العام لمؤسسة رسالة السلام العالمية