هشام النجار يكتب : مشروع الشرفاء الحمادي للدولة الفلسطينية.. أفق الإنقاذ

من يتأمل المشهد الفلسطيني اليوم يدرك حجم التعقيد الذي بلغ مداه: انسداد سياسي طويل الأمد، انقسام داخلي يستنزف الطاقات، تراجع الدعم العربي، وانصراف دولي إلى أولويات أخرى.
هذه التراكمات جعلت حلم الدولة الفلسطينية أقرب إلى فكرة معلّقة بين الماضي والمستقبل. وفي هذه اللحظة الحرجة، يطل المفكر علي الشرفاء الحمادي برؤية جريئة تحت عنوان “مشروع الدولة الفلسطينية”، يطرح فيها تصورًا إنقاذيًا مختلفًا يستحق أن يوضع في دائرة النقاش الجاد.
جوهر المشروع أنه لا يكتفي بتكرار الشعارات، بل يركز على إعادة بناء البيت الفلسطيني من الداخل؛ فالمؤسسات الوطنية الجامعة، ووحدة القرار السياسي، واستعادة الشرعية الشعبية، هي في صلب الطرح، باعتبارها المدخل الحقيقي لأي مكسب على الساحة الدولية.
وهو يضع الأساس لقيام كيان فلسطيني قادر على حماية حقوق شعبه وبناء مؤسسات حديثة، عبر مشروع سياسي متكامل يوازن بين الثوابت التاريخية ومقتضيات الحاضر. واللافت أن المشروع لا يكتفي بالتشخيص، بل يتضمن حلولًا عملية لمعضلات الوحدة والتمثيل والشرعية، وهي نقاط الضعف التي طالما عطلت مسيرة النضال الفلسطيني.
في قراءة المشروع، يلمس المرء نزعة إصلاحية شجاعة تستند إلى خبرة في فهم طبيعة الصراعات الدولية والإقليمية. فبدلًا من الدوران في فلك المبادرات التقليدية التي لم تؤتِ ثمارًا، يقترح الشرفاء إعادة الاعتبار للمؤسسات الجامعة وضمان وحدة القرار، ثم الانطلاق إلى المحيط العربي والدولي ببرنامج واضح ومتماسك.
هذه الرؤية تمنح الفلسطينيين القدرة على استعادة زمام المبادرة، بدلًا من انتظار ضغوط الخارج.
لعل القيمة الأهم في المشروع أنه يعيد الأمل إلى ساحة أصابها الإحباط؛ فهو يطرح بديلًا عقلانيًا بعيدًا عن المزايدات، ويؤكد أن استعادة الحقوق لا تكون بالخطاب وحده، بل بالعمل المؤسسي القادر على الإقناع والإلزام.
هنا يميز الشرفاء بين إدارة صراع طويل المدى وبين إدارة مشروع دولة، وهو تمييز بالغ الأهمية في سياق يتسم غالبًا بالخلط بين المقاومة كحق مشروع، وبين غياب إستراتيجية متكاملة للدولة المنشودة.
المشروع كذلك يفتح أفقًا مختلفًا في التعامل مع المحيط العربي والدولي؛ فهو يستند إلى واقعية سياسية تدرك توازنات القوى، وفي الوقت نفسه يتمسك بالثوابت الوطنية.
هذه المزاوجة بين المبدأ والواقعية تمنح الفلسطينيين ما حرموا منه طويلًا: زمام المبادرة بدلًا من الارتهان لضغوط الخارج أو الانقسام الداخلي.
لكن قوة الطرح لا تعني غياب التحديات؛ فالمشروع سيصطدم بعقبات الاحتلال الرافض للاعتراف بالحقوق، وبـالانقسام الذي يفتّ في عضد الشعب الفلسطيني، فضلًا عن انشغال العالم العربي بأزماته الداخلية، التي جعلت القضية في مراتب متأخرة من الأولويات.
وهذه كلها عوامل تفرض ضرورة إرادة سياسية صلبة تتبنى الفكرة وتترجمها إلى خطوات عملية.
وما يلفت النظر في مشروع الشرفاء أنه يعيد التذكير بالبُعد الأخلاقي والإنساني للقضية الفلسطينية.
فهي ليست مجرد ملف تفاوضي على خرائط وحدود، بل قضية شعب يطالب بحقه في الكرامة والسيادة، قضية تختبر عدالة النظام الدولي ومصداقية الخطاب العربي في آنٍ واحد.
بهذا المعنى، فإن المشروع ليس مجرد مقترح سياسي، بل صيحة وعي تعيد تعريف المسألة الفلسطينية باعتبارها قضية هوية وحقوق إنسان.
في النهاية، تبقى قيمة المشروع في أنه يفتح الباب أمام نقاش فكري وسياسي لا بد منه؛ فالقضية الفلسطينية لن تنهض بخطاب جامد أو شعارات مكررة، بل برؤى جريئة تستشرف المستقبل وتواجه الواقع.
علمنا التاريخ أن التحولات الكبرى تبدأ بفكرة مختلفة، وأن الأفكار حين تجد من يتبناها تتحول إلى وقائع، ومشروع الدولة الفلسطينية، كما يطرحه علي الشرفاء الحمادي، قد يكون الخطوة الأولى في هذا الطريق الوعر،
لكنه الطريق الوحيد الممكن إذا أردنا للحق أن يجد سبيله إلى الدولة المنشودة.