الحبر جف والكلمات لم تعد تكفي .. خرائط النفوذ تُرسم والعرب يخرجون من التاريخ
علي الشرفاء : من لا يملك القوة لا يملك الوطن .. الحق لا يُسترد بـ الحناجر بل بـ لغة الردع التي يفهمها العالم

- أمة العرب بلا أنياب .. ضيعت سلاحها وعلقت آمالها على موائد اللصوص || فريسة علي مذابح الطغاة
- السكين على الرقبة || من لم يملك القوة لا يملك حتى حق الشكوى .. ومن لا يصنع قدره يُقاد على يد أعدائه
من يملك القوة يملك الحق، وهذه القاعدة هي المتعامل بها في الحياة الدنيا منذ خلق آدم ، وإذا استرجعنا قراءة التاريخ، سنجد أن من ملك القوة فرض الحق، بغض النظر إن كان حقًا أو باطلًا. وعلى صاحب الحق أن يتقصى بداية الجريمة التي ارتُكبت في حقه، حتى يستطيع أن يُعد لاسترجاع حقه الإعداد المطلوب، من تقوية أواصر أبنائه، وتعزيز إيمانهم بحقهم، وسد كل الثغرات التي تفرقهم وتضعف قوتهم .
- جدور المؤامرة
بالرغم من مرور أكثر من قرن من الزمن على التخطيط للاستيلاء على فلسطين، إلا أن جذور المؤامرة تعود إلى حينما دعا رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، هنري كامبل، الدول الاستعمارية في ذلك الوقت (بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا)، لعقد مؤتمر في لندن تحت ذريعة حماية شريان التجارة العالمية وتأمين قناة السويس، التي تربط بين الشرق والغرب وتحيط بها الدول العربية من كل جانب .
- وطن قومي لليهود
كان الهدف هو خلق وطن غريب عن العالم العربي يقسّمه بين مشرق ومغرب، ليسهّل على الغرب تقليص نهضته، وإعاقة تطوره، وحرمانه من استغلال ثرواته الطبيعية من بترول وغاز ومعادن اتفق المؤتمر على تسهيل ودعم الصهاينة اليهود بكل الوسائل السياسية والعسكرية والمالية، حتى يتحقق ميلاد وطن قومي لليهود في قلب الأمة العربية، يمزق جسدها، ويفرق شعوبها، ويخلق الفتن بينها، وينشأ الصراع والقتال الدائم، لتبقى إسرائيل في مأمن وتتمكن من سلب أكبر قدر من الأراضي لبناء المستوطنات، بينما العرب وأصحاب الأرض الفلسطينيون مشغولون بأنفسهم .
- إتفاقية سايكس بيكو
أما فيما يخص تقسيم الوطن العربي، فقد اتفق البريطانيون والفرنسيون على تقسيمه بينهما، وأعلن اتفاقية سايكس بيكو في عام 1916، تبعها وعد بلفور في نوفمبر 1917، الذي تضمّن إعلان تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين. وقامت دولة إسرائيل فعليًا في 14 مايو 1948 بعد انتهاء الانتداب البريطاني، الذي ساهم ودعم وساعد قيام إسرائيل منذ مؤتمر لندن 1907 وحتى ذلك اليوم .
- العرب وغياب الوعي التاريخي
استعرضت هذا المشهد في عجالة، ليستدرك العرب أنهم مغيّبة عقولهم، ضائعة حقوقهم، وهناك وصاية استعمارية على مستقبلهم. لا يدركون ما يُخطط لهم في الخفاء، وينساقون خلف وعود زائفة باسترجاع الحقوق الفلسطينية، فيما الإسرائيليون يبنون المستوطنات .
تمر السنوات والعرب يركضون خلف مفاوضات وقرارات مجلس الأمن، علمًا بأن من يُملي تلك القرارات هم أنفسهم أعضاء مؤتمر لندن 1907، الذين استهدفوا إقامة وطن قومي لليهود. فكيف يصدق المسروق وعود اللصوص بأن يعيدوا له حقه؟! .
- ضاعت بوصلة التعاون
من يملك القوة لا تضيع حقوقه ، أليست تلك مأساة ؟! أمة ضاعت منها بوصلة متطلبات القوة، والوحدة، والتعاون، والتخطيط للمستقبل، في مواجهة أي اعتداء على الحقوق العربية. حين ساهم الإنجليز في إنشاء جامعة الدول العربية، كان الهدف إلهاء العرب بقرارات لا تُنفذ، مثل اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي وُقّعت عام 1950، والتي لم تُفعَّل حتى في أحلك الأوقات، برغم العدوان المتكرر على دول عربية مثل العراق، سوريا، اليمن، الصومال، وليبيا.
- مواقف تتحدث عن القوة
مع كل الحزن والمرارة، نرى اليوم بعض الدول العربية تشارك في العدوان والتدمير ضد أشقائها، وتتنصل من المواثيق، فكيف للعالم أن يحترم أمة لا تحترم نفسها؟!
قرار مجلس الأمن رقم (242) الصادر في 22 نوفمبر 1967، والذي يدعو إلى انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها، لم يُنفذ حتى اليوم، بعد أكثر من خمسين عامًا، والسبب واضح :
1- الدول الكبرى في مجلس الأمن متورطة في تأسيس إسرائيل، ولها مصلحة في استمرارها وتوسعها.
2- الخلافات بين الدول العربية، وتورط بعضها في التحالف مع دول طامعة، منع تشكيل موقف عربي موحد.
- درس من التاريخ
نستذكر موقف الشيخ زايد رحمه الله خلال حرب أكتوبر 1973، عندما أعلن قطع النفط عن أوروبا وأمريكا، مما خلق ضغطًا هائلًا أدى إلى وقف الحرب وصدور قرار مجلس الأمن (252). كان ذلك الموقف ناتجًا عن قيادة قوية، وإيمان مشترك، وروح عربية موحدة. أما اليوم، فلا حقوق للضعفاء، فهم يضيعون بين اللصوص والأشقياء .
- المؤامرة القديمة المتجددة
المؤامرة على الأمة العربية ليست جديدة، بل بدأت منذ عام 1907. وما زلنا نتعاون مع من استعمرنا ونهب ثرواتنا ونحسبهم أصدقاء. فهل ننتظر إنصافًا ممن كان شريكًا في ضياع حقوقنا؟
فلندع الزمان يدور، إلى أن تستيقظ الأمة، وتدرك أنه لا بديل عن الوحدة ولا مستقبل إلا بالإيمان بالمصير المشترك، وتنفيذ اتفاقيات الدفاع العربي لحماية الأمن القومي العربي من المحيط إلى الخليج.
- نداء أخير للقادة
أدعو اليوم إلى صحوة في عقول القادة، ليتناسوا الأحقاد ويوحدوا صفوفهم ويتقوا الله في شعوبهم. يقول الله تعالى: " وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا” – آل عمران: 103 .. " وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ” – الأنفال: 46
يكفينا مفاوضات عقيمة، كما يحدث في ملف سد النهضة، الذي استهلك عشر سنوات من المفاوضات، فيما القادة الإثيوبيون ماضون في البناء دون توقف، لأن الهدف هو تعطيش وتجويع مصر، كما تنبأ سفر أشعيا في الإصحاح 19 قبل آلاف السنين.
- التاريخ يعيد نفسه
لقد انتصر الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا على العثمانيين في قونية عام 1832، وبلغت قواته أبواب الأستانة، إلا أن أوروبا تدخلت لصالح تركيا، ووقفت إلى جانبها. واليوم يتكرر المشهد؛ أردوغان يدمر سوريا، يغزو ليبيا، ينقل آلاف المرتزقة، يهدد أوروبا، ولا أحد يتحرك .
أما العرب، فبعضهم يفتح له قواعد عسكرية على أراضيه، مرحبًا بالذئب بين الأغنام .
- الخطر الوجودي
الخطر بات قريبًا جدًا. الضحية تُجهَّز، والسكين تُشحَذ، والمسلخ جاهز .. فهل من صحوة عربية؟!
أدعو القادة العرب إلى اجتماع طارئ خارج الجامعة العربية، يناقشون فيه كيفية توحيد الصفوف، وردع التمرد، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. فالخطر لا ينتظر، والمستقبل لن يرحم من فرّط فيه.
" الشيطان الصغير الجاثم في القدس” لن يهدأ حتى يحوّل العرب إلى دويلات ممزقة، وثرواتهم إلى غنائم، والأحرار إلى مطاردين، والمستقبل إلى سراب .
- مفاوضات في حلقة مفرغة
يكفينا مفاوضات استمرت خمسين عامًا، كما يحدث مع الأشقاء في مصر. مفاوضات لا تزال جارية حول ملء سد النهضة منذ أكثر من عشر سنوات، بينما المفاوضات تدور في حلقة مفرغة، والقادة الإثيوبيون مستمرون في بناء السد دون توقف. لماذا؟ لأنهم مكلفون بمهمة تعطيش مصر، وتجويعها، وتعطيل نموها، لحساب أصحاب كتاب أشعيا، الذي قرر الانتقام من مصر بواسطة النيل.
والإصحاح رقم 19 في سفر أشعيا يوضح المؤامرة منذ ألفي عام.
فانتبهوا أيها المصريون، ولا تستمروا في مفاوضات تضييع الوقت، وأنتم تعلمون أهداف القادة في إثيوبيا ومن يقف خلفهم. وخطاب نتنياهو في البرلمان الإثيوبي دليل واضح على تنفيذ مخطط شرير. توقفوا عن الدوران في حلقات مفرغة ستتحول يومًا إلى حلقات مفزعة.
- تاريخ يتكرر
لقد استطاع الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا هزيمة العثمانيين بعد سيطرته على ميناء الإسكندرونة، ودخل ولاية أضنة وطرطوس في يونيو سنة 1832، وشجعه ذلك الانتصار فدخل بلاد الأناضول حتى وصل إلى مدينة قونية، ودارت معركة بينه وبين العثمانيين في قونية، وانتصر عليهم في 20 ديسمبر 1832، وأسر قائد الجيش العثماني الصدر الأعظم محمد رشيد باشا.
انفتح الطريق أمامه إلى الأستانة، وخشي العثمانيون سقوط العاصمة، فاستنجدوا بالدول الأوروبية، وأرسلت روسيا أسطولًا بحريًا للدفاع عن الأستانة، وتدخلت فرنسا مع محمد علي باشا للوساطة، وتم التوصل إلى اتفاق كوتاهية في 4 مايو سنة 1833، وتنازل الباب العالي بموجبها عن كامل بلاد الشام، وأقر لمحمد علي باشا بولاية مصر. وهكذا وقفت الدول الأوروبية لمصلحة تركيا ضد مصر.
- مشهد متكرر بأدوات مختلفة
وما نراه اليوم هو تاريخ يعيد نفسه، حين يرى العالم اعتداءات أردوغان بتدمير سوريا، وقتل شعبها، وتشريده، ونشر الخراب والدمار فيها، بواسطة فرق الإرهاب من داعش والنصرة وغيرهم من المرتزقة، ولا يتخذ العالم الغربي أي موقف أخلاقي يمنع هذا الثور الهائج من استباحة سوريا وتشريد الملايين من شعبها .
ثم ينتقل إلى غزو ليبيا، وينقل أكثر من خمسة عشر ألف مرتزق وإرهابي إلى طرابلس، ليحتل آبار النفط، وينهب ثرواتها، ويرسل الأسلحة التدميرية والطائرات إلى قاعدة الوطية، دون أن تتحرك أوروبا لوقف جنونه، بل على العكس، يتعاملون مع تهديده بإرسال عشرات الآلاف من الإرهابيين إلى الدول الأوروبية وكأنه ابتزاز مقبول، دون أي رد حاسم.
وكأن العالم يعطيه الضوء الأخضر لاستباحة الدول العربية، وكأن هؤلاء العرب لا يستحقون ثروات أوطانهم .
- الخطر الذي يواجه الأمة العربية
فهل تآمر الغرب وأمريكا على العالم العربي ؟! .. ألا يكتشف العاقل هذا السيناريو الشرير ؟ .. إن الأمة العربية تواجه اليوم خطر الوجود ذاته .
كيف تسمح بعض الدول العربية الغنية باستقبال الأتراك في أوطانها، وإقامة قواعد عسكرية على أراضيها ؟ .. كيف للخروف أن يرحّب بالذئب، وهو يعلم أنه يومًا ما سيكون فريسة له ؟! .. هل بلغ بالعرب الذل والمهانة إلى هذا الحد؟! .. هل فقدوا البصر والبصيرة، رغم ما يرونه صوتًا وصورة من مؤامرات تُنفّذ على الأرض ؟! .
- نداء إلى القادة العرب
ألم يحن الوقت، إزاء خطر الوجود، أن يلتقي بعض القادة العرب في اجتماع طارئ بعيدًا عن الجامعة العربية، ليناقشوا مستقبلهم ؟ ، كيف يمكن إعادة الشقيق المتمرد إلى حضن الأمة ؟ ، كيف يمكن توحيد الصفوف وإنقاذ ما يمكن إنقاذه ؟ .
الخطر قريب جدًا ، والضحية تُسَنّ لها السكين .. المذبح جاهز .. والمسلخ مفتوح .. هبّوا أيها القادة!
سارعوا للحفاظ على أوطانكم التي بدأت تسقط الواحد تلو الآخر .. فلن تبكي علينا السماء بعد ذلك .
وسيعود الغريب يستعمرنا، وينهب ثرواتنا، والشيطان الصغير الجاثم في القدس بكل خبراته الشريرة، وقدراته في السيطرة على مكامن القرار في أمريكا وأوروبا، لن يترك العرب إلا وهم دويلات ممزقة، وعبيد مرتزقة يأتمرون بأمر الأحبار، ويتم مطاردة الأحرار، وتُستباح ثرواتنا لصالح الأغيار .
وبعدها .. يضيع مستقبل أمة، كادت أن تتصدر دعوة الخير والسلام للعالم أجمع.
كاتب المقال : مفكر عربي ورئيس ديوان رئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة سابقاً