اهم الاخبار
الثلاثاء 09 سبتمبر 2025
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

الأرض تبكي والفصائل تتآمر .. نداء علي الشرفاء الأخير قبل أن يُغلق التاريخ دفتر الحلم العربي

- يضع وثيقة الخلاص وخارطة النجاة لوطن يحتضر وتتآكله الأطماع .. ما تبقى من فلسطين لا يتحمّل المزيد من الخسائر

علي الشرفاء
علي الشرفاء

تمر القضية الفلسطينية بـ أخطر وأعقد لحظاتها في التاريخ  .. الارض تتآكل .. والشعب يئن تحت وطأة الاحتلال والانقسام  .. بلغت الأوضاع ذروتها .. ثم .. ثم وصل الشعب الفلسطيني حتي أخر النفق .

.. و .. و أمام هذا المشهد المأزوم تصبح الكلمة مسؤولية تاريخية .. لا تنفع  الخطابات المرتبكة .. ولا تصلح المواقف الرمادية .. هنا تحتاج القضية إلى بوصلة فكرية تُعيد ترتيب الفوضى .. وتفصل بين الحلم والسراب .. وبين من يريد وطن .. ومن يلهث خلف منصب في بلد منهك .. وشعب جائع تضيع منه الحدود والأرض .

  • مشروع الدولة الفلسطينية

وكعادته دائماً .. يخرج علينا المفكر العربي الكبير علي الشرفاء الحمادي بـ خارطة طريق يطرحها للرأي العام ولـ صناع القرار .. ويكتب مقال عنوانه " مشروع الدولة الفلسطينية وتطبيق القرارات الدولية لحل الدولتين " .. وهنا يقدم الشرفاء رؤي سياسية عميقة .. وخطة مكتملة الأركان والمحاور  .. ثم .. ثم يطرح حلول تلامس وجدان كل عربي حر .. حلول تخاطب العقل قبل العاطفة .. وتضع الإصبع على الجرح النازف منذ أكثر من 75 عاماً .

  • عمق المأساة وأسبابها 

يذهب الشرفاء مباشرة إلى عمق المأساة وأسبابها : " لا وطن يُبنى على الانقسام .. ولا قضية تنتصر بـ الفصائلية .. ولا مستقبل لـ أمة لا تعرف متى تتحد ؟ .. ومتي تقاوم ؟ .. و .. و متى تتفاوض ؟ " .

خطة الشرفاء لا تستجدي العدالة .. لكنه يضع العالم أمام خارطة فكرية كاملة .. تحرك الساكن في العقل العربي .. وتوقظ إحساسه المُنهك تجاه قضيته الأولى .. خطة توجه نداء عقل ومسؤولية وإنقاذ .. قبل أن يتحول الحلم إلى حطام .. ويصبح التاريخ مجرد لعنات تتكرر .. فمن يا تري يصغي لـ هذا  للنداء ؟ .. ومن يتحمّل ثمن هذا الصمت الأخير ؟ .

  • طرح حقيقي وواقعية سياسية

علي الشرفاء ينطلق من إيمان راسخ بـ عدالة القضية الفلسطينية .. لا يكتفي بـ تكرار الشعارات .. ولا يغرق في رومانسية النضال الخطابي .. إنما يعرض طرح حقيقية مرتبط بـ واقعية سياسية .. ركيزتها إقامة دولة فلسطينية مستقلة وفق قرارات الشرعية الدولية .. ووفق حدود يونيو 1967 .

.. و .. و عندما نطالع ما كتبه علي الشرفاء نجد أنفسنا أمام " وثيقة سياسية " محكمة البناء .. متماسكة المنهج .. عميقة الرؤية .. وثيقة تستحق أن تُناقش في مجلس الأمن .. وتطرح علي جدول أعمال القمم العربية .. لا ينبغي لها أبداً أن تبقى حبيسة الورق والادراج .

  • من يمثل شعب فلسطين؟

ولعل أول ما يلفت النظر في مقال علي الشرفاء .. هو الصدق والجرأة .. إذ يحمل بلا مواربة او تدليس كل القيادات الفلسطينية مسؤولية ما يحدث من تشرذم وانقسام .. كلماته لا تبرير فيها ولا مواربة .. ولا يقصد منها توزيع الاتهامات على الآخرين .. انما هي مراجعة داخلية دقيقة وجريئة .. و تقول ما لا يجرؤ ان يقوله الكثيرون :

إذ يتسأل الحمادي بكل تجرد ووضوح  : من يا ترى سيمثل شعب فلسطين في أي مفاوضات لـ تطبيق قرارات الشرعية الدولية؟

  • واقع أهل فلسطين الان

وأحسبه هنا يطرح سؤال مفتوح .. يكشف من خلاله الخلل الجوهري والعطب الأزلي الذي أصاب ويصيب المشهد الفلسطيني .. " لا دولة بدون وحدة وطنية .. لا تمثيل شرعي في ظل انقسام جذري .. ولا نصر لـ قضية تسكنها الخصومة الحزبية " .. اليس هذا هو واقع أهل فلسطين الان .

وبـ اختصار شديد .. نحن مشروع دولة لا مشروع سلطة .. مشروع يُعيد التأكيد على الفرق بين السلطة كأداة حكم .. والدولة كـ " كيان سياسي وحقوقي وسيادي " .. مشروع لا يطرحمن أجل توزيع المناصب .. لكنه مشروع يستهدف إقامة دولة حقيقية تمتلك كل مقومات الدولة :

1- حكومة انتقالية جامعة .

2- حدود معترف بها .

3- تمثيل شرعي في المحافل الدولية .

4-حماية وضمانات عربية ودولية .

  • البقاء بـ عزة وكبرياء

والسلطة هنا ليست هي الهدف .. الهدف هو السيادة .. هو الكرامة .. هو الوطنية .. هو الحق في البقاء بـ عزة وكبرياء .. هو نقلة فكرية وسياسية ونوعية في الطرح العربي للقضية .

وبعيداً عن بيانات الشجب والإدانة .. يركز علي الشرفاء علي  الدور العربي ويخرجه من موته السريري .. مقترحاً دور عربي أكثر فاعلية .. دور لا هامش فيه للصراع .. دور ينطلق من قلب التسوية .. و من القوة الناعمة العربية التي ينبغي ان تتحرر من العجز والثبات الأزلي العميق .

  • دول ضامنة للسلام 

علي ان تكون " مصر و السعودية والجزائر والإمارات " دول ضامنة لـ إتفاق السلام .. والجامعة العربية تصلح منصة حقيقية لتوحيد الصف الفلسطيني .. مع مشاركة عربية في الحوار مع القوى الدولية .. وبهذا يُحوّل الحمادي القلق العربي إلى مبادرة .. والتعاطف إلى فاعلية .. مقدماً صيغة للسيادة المشتركة في دعم قضية العرب الأولي دون وصاية أو تهميش.

لا يُفوت علي الشرفاء  أن يذكرنا بـ مرارة لا تخلو من الحكمة .. يذكرنا بـ أن الفرص تضيع إذا لم تُغتنم .. وأن قرار التقسيم عام 1948 ضاع بسبب الانقسام والتنازع .

  • خطر تكرار النكبة 

إذ يُحذر قائلاً : أخشى ما أخشاه أن تتباهى كل منظمة بـ جهادها .. ويضيع حق الشعب الفلسطيني إلى الأبد " .. وهنا يتحدث علي الشرفاء عن الماضي والحاضر معاً .. يتحدث عن خطر تكرار النكبة بسبب المحتل .. و بسبب الأنانية السياسية والفصائلية التي لا تعرف شئ عن مصلحة الوطن .

ولعل ما يميز ما كتبه علي الشرفاء ويمنحه عمق إنساني وروحي نادر .. هو ختامه بـ آية قرآنية جامعة .. بقوله عز وجل في محكم التنزيل : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً " .. صدق الله العظيم .

  • رسالة الى كل الاطراف 

والنهاية هنا ليست نهاية وعظية هي رسالة موجهة لكل الأطراف : " للشعب الفلسطيني كي يتحد ويتصالح .. للأمة العربية كي تنهض بـ مسؤوليتها .. وللمجتمع الدولي كي يقف على مسافة واحدة من العدالة .. ولإسرائيل كي تدرك أن الأمن لا يبنى على الدماء بل على السلام " .

نحن أمام نداء تاريخي في لحظة مفصلية .. إما أن تتوحد الصفوف وتتشكل حكومة فلسطينية تمثل الجميع .. وتبدأ مرحلة بناء الدولة تحت مظلة دولية وعربية .. أو يضيع ما تبقى من أرض .. وينقضي الحلم كما انقضى في عام 1948 .. ونُسجّل في التاريخ أن أعداء فلسطين لم يكونوا فقط من خارجها .. بل من داخلها أيضاً .

  • رؤية بعيدة عن الانحياز

فما يطرحه علي الشرفاء في مقاله بمثابة " رؤية استراتيجية " بديلة عن الجمود والمراوحة .. رؤية بعيدة عن الانحياز الا للوطن الفلسطيني ولحقوقه التاريخية .. رؤية ممزوجة بـ الواقعية السياسية .. والعاطفة القومية .. والبصيرة الأخلاقية .

نحن أمام رسالة تنوير سياسي .. تضع الفلسطينيين والعرب أمام مسؤولياتهم .. وتمنح المجتمع الدولي خطة متكاملة لإنهاء الصراع  .

فهل يسمع أحد هذا النداء ؟ .. هل  ترتقي القيادات الفلسطينية إلى مستوى الدماء التي سالت ؟ .. هل تقدر حجم التضحيات التي قُدمت .. و .. و الفرص الضائعة التي لا تعود ؟ .

اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد .