الدعاء لا يصنع معجزات || مناجاة بلا طاعة استغاثة لا يسمعها الله .. الرحمات لا تهبط علي الغافلين

ثمة خيط خفي رفيع يفصل بين الإيمان والانتظار .. بين من يتجه إلى السماء بـ قلب خاشع حاضر .. وبين من يجعل الرجاء والدعاء مجرد قول خالي من أي عمل وفعل .

وفي كثير من المرويات والموروثات المتداولة .. يغيب عن الأذهان أن الدعاء وحده لا يكفي .. وأن الكلمات بمفردها لا تعوض غياب الفعل و العمل .. خاصة وأن الدعاء أصبح لدى كثير من الناس بديلاُ عن الفعل لا دافعاً إليه .. و .. و هنا تظهر الحاجة ماسة إلى تصحيح المفاهيم  المغلوطة.. لأن الإيمان الحقيقي لا ينفصل عن المسؤولية .. والاستجابة لا تكون لمن يطلب فقط .. بل لمن يسعى ويأخذ بـ الأسباب .

أصدرت مجلة " شبابنا " الصادرة عن مؤسسة رسالة السلام عددها الجديد لشهر سبتمبر، حاملة في طياتها ملف فكري معمق يتناول قضية الدعاء بين الحقيقة والوهم، من خلال رؤية المفكر العربي الكبير علي الشرفاء الحمادي، التي تدعو إلى ربط الإيمان بالعمل، والدعاء بالمسؤولية .

و تصدّر العدد مقال مهم بعنوان : " الدعاء المستجاب مرهون بطاعة الوهاب " للمفكر العربي الكبير علي الشرفاء الحمادي، والذي يطرح فيه قراءة تجديدية للدعاء في الإسلام، معتبرًا أن الدعاء ليس مجرد ترديدٍ لفظي، بل هو عهد بين العبد وربه يتطلب الطاعة، والعمل، والسعي .

وأكد الشرفاء الحمادي في مقاله أن الدعاء بلا التزام أخلاقي وعملي هو تواكلٌ يتنافى مع جوهر الإسلام، مشيرًا إلى أن الله لم يأمر الناس بالدعاء ليعفيهم من مسؤولية السعي والاجتهاد، بل ليمنحهم الأمل في إطار العمل والنية الصادقة .

كما شهد العدد مشاركات فكرية وتحليلية لعدد من الكتاب والعلماء الذين تناولوا مقالة الشرفاء من زوايا متعددة، مؤكدين عمق طرحه وأهميته في مواجهة خطابات الخرافة والدين الكسول .

1- الشيخ نور الدين إيلبيدي كتب تحت عنوان :

" رؤية الشرفاء ثاقبة .. والدعاء مشروط بالعمل والطاعة " ، وأشار إلى أن كثيرمن الناس يخلطون بين الإيمان والتمني، معتبراً أن دعوة الشرفاء تعيد التوازن للفهم الديني .

2- الكاتب المصري المقيم بالنمسا بهجت العبيدي قدّم مقالاً بعنوان : " الدعاء بين الوهم والحقيقة : قراءة في فكر المفكرالعربي علي الشرفاء " ، مؤكداً أن ما يطرحه الشرفاء يُعد مشروع فكري لتحرير العقل الإسلامي من ثقافة الاتكالية .

3- الكاتبة الصحفية الدكتورة سمية كيوان كتبت : " رؤية الشرفاء تربط الدعاء بالعمل وتكشف أوهام شيوخ الدين " ، منتقدة الخطاب الديني التقليدي الذي يصور الدعاء كبديل عن السعي، معتبرة أن فكر الشرفاء يعيد الاعتبار لقيمة الإنسان العامل في الخطاب الإسلامي .

4- و من جانبه، اعتبر الدكتور ناصر برقي أن تطبيق رؤية الشرفاء  " سيؤدي إلى تحولات اجتماعية إيجابية " ، لأنه يبني وعي جديد يجعل من الإنسان فاعلاً لا مفعولاً به .

5- أما الدكتورة فاطمة خاطر، منسقة شبكة إعلام المرأة العربية في سويسرا، فقد ربطت بين فكر الشرفاء وتجربة النهضة الأوروبية، حيث كتبت :

" العمل والجهد سر نهضة أوروبا .. والمسلمون سقطوا في فخ التواكل " ، وأشادت بدعوة الشرفاء إلى إحياء الجانب العملي في العقيدة الإسلامية.

في إطار الحراك الميداني لفكر علي الشرفاء، نقل الشيخ نور الدين إيلبيدي هذه الرؤية التجديدية إلى أحد مساجد دولة بنين، حيث شرح للحضور أفكار ومضامين مقال الشرفاء، مؤكدًا أن الإسلام لا يدعو للكسل أو انتظار المعجزات، بل يحفّز على بناء الحياة وتحقيق التغيير بالجهد والإرادة .

.. و في الصفحة الأخيرة تجد صوت من الماضي يلتقي مع فكر الحاضر ، إذ اختُتم العدد بمقولة تاريخية لإمام التنوير محمد عبده، جاء فيها : " الدعاء بلا عمل خداع للنفس " ، وهي العبارة التي تتقاطع بوضوح مع ما يطرحه علي الشرفاء، في تجسيد لفكر إصلاحي ممتد عبر الزمن، يجمع بين الأصالة والمعاصرة.

الجدير بالذكر أن مجلة شبابنا يرأس تحريرها الكاتب الصحفي الدكتور معتز صلاح الدين، رئيس مجلس أمناء مؤسسة رسالة السلام بالقاهرة، والذي أكد في تصريحات إعلامية أن المجلة تسعى في كل عدد إلى إحياء الفكر النقدي لدى الشباب، وربط الدين بالحياة لا بالغيبيات، والعقل بالنص لا بالتقليد، انسجامًا مع رؤية المؤسسة ورسالتها التنويرية .