اهم الاخبار
الثلاثاء 05 أغسطس 2025
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

على الشرفاء الحمادي يكتب : الطريق من الظلمات إلى النور

علي الشرفاء الحمادي
علي الشرفاء الحمادي

في زمنٍ يعاني فيه الإنسان من ألوان الظلم والطغيان، وتُسلب فيه الحقوق ويُقهر فيه الضعفاء، تشتد الحاجة إلى الهداية بنور الإيمان، ذلك النور الإلهي الذي جعله الله سبيلًا للخلاص وهاديًا للناس من دروب الضياع إلى مسالك النور والعدالة والرحمة.

إن نور الإيمان ليس وهجًا مؤقتًا، بل هو سراج منير يبدد ظلمات الجهل والظلم ويهدي الحائرين إلى طريق الحق. قال الله تعالى:

﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾

[البقرة: 257]

فهو سبحانه الوليّ الحامي، يرفع الغشاوة عن القلوب وينقذ من أسر الأهواء، ويهدي إلى سواء السبيل.

فالإيمان في حقيقته ليس طقوسًا جامدة أو شعائر مفرغة من مضمونها، بل هو منهج حياة متكامل يبدأ من إصلاح القلب، لينعكس على سلوك الفرد والمجتمع، فتتحول القلوب القاسية إلى قلوب رحيمة، وتذوب مشاعر الحقد والكراهية في بحر من الرحمة والمحبة، يقول الله تعالى:

﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾

[الإسراء: 82]

وما أحوج عالم اليوم إلى هذا النور، في ظل ما نشهده من صراعات وحروب وفساد مستشرٍ في الأنفس والمجتمعات. فاتباع شرع الله القائم على العدل والرحمة، هو السبيل لتحقيق السلام الاجتماعي والتعايش الإنساني. قال تعالى:

﴿ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ • يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ﴾

[المائدة: 15-16]

بهذا النور الإلهي يُقام ميزان العدل، وتصان كرامة الإنسان، ويُبنى مجتمع متراحم متعاون لا مكان فيه للظلم أو الطمع أو الكراهية. فدعوة الإيمان دعوة للنهضة الروحية والسمو الأخلاقي، وبناء الحضارة على أسس ربانية، كما قال الله عز وجل:

﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾

[الإسراء: 9]

إنها دعوة للخروج من ظلمات الأنانية والفرقة إلى نور الوحدة والرحمة، ومن قسوة القلوب إلى رقة الإحسان، ومن الكراهية والحروب إلى السلام والمودة. فليكن الإيمان مشعلنا، والقرآن دستورنا، والرحمة نهجنا، علّنا نرتقي بإنسانيتنا ونبلغ رضوان الله.

  • تكريم الإنسان في القرآن

لقد بيَّن الله عز وجل في محكم تنزيله أن الإنسان مكرَّم عند الله بغض النظر عن جنسه أو لونه أو قوميته، فقال سبحانه:

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾

[الإسراء: 70]

لكن هل كرم الناس الإنسان كما كرمه الله؟ أم أنهم أهانوه وقيدوا حريته وامتهنوا إنسانيته؟!

كم من الجرائم ارتُكبت باسمه؟ وكم من الدماء سُفكت ظلمًا وعدوانًا؟ وكل ذلك باسم الدين أو السياسة أو المصالح!

  • الابتعاد عن القرآن… بداية الانتكاسة

إن من أعظم الكوارث التي ألمّت بالمسلمين هو هجرهم لكتاب الله، وابتعادهم عن تعاليمه، واستبدالهم شرع الله بروايات وأهواء ومصالح، حتى انقلبت المفاهيم وتغيرت المقاييس، فصار العدل ظلمًا، والظلم عدلًا .

لقد أنزل الله الكتاب ليكون حَكَمًا بين الناس، وليهديهم سواء السبيل، ولكنهم خالفوه وركنوا إلى غيره، فاستحقوا وصف الله لهم:

﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَٰئِكَ هُمُ الْظَّالِمُونَ ﴾

[المائدة: 45]

  • بداية الانحراف بعد وفاة الرسول ﷺ

بدأ الانحراف مباشرة بعد وفاة الرسول ﷺ، حين دبّ الخلاف بين الصحابة حول مسألة الخلافة، وهو خلاف سياسي بحت تحول لاحقًا إلى صراعات دامية .

ومن أبرز تلك اللحظات التي تحتاج إلى وقفة وتأمل، هي حرب الردة، حين بادر أبو بكر الصديق إلى قتال من امتنعوا عن دفع الزكاة واتهمهم بالردة، فقاتلهم وسقط في هذه الحرب الكثير من الأبرياء.

لكن إذا رجعنا إلى القرآن الكريم، فلا نجد أي نص يشرّع قتال الممتنعين عن الزكاة، ولا نجد حكمًا واضحًا بقتل المرتد، بل نجد العكس، حيث قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

[المائدة: 54]

فالآية لم تذكر عقوبة دنيوية للمرتد، بل تُرك أمره لله، وهو الذي يحاسبه يوم القيامة.

وفي آية أخرى قال تعالى:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[البقرة: 256]

فكيف يُكره أحد على دفع الزكاة بالسيف؟ وكيف يُقتل من يرفضها والله لم يأمر بذلك؟!

وإذا كان الامتناع عن الزكاة ذنبًا، فعقوبته تكون بيد الله وليس بالسيف.

بل الأدهى من ذلك، أن الله حرّم القتل بغير حق تحريمًا قاطعًا، فقال:

﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾

[الإسراء: 33]

الانقسام إلى طوائف ومخالفة أمر الله

لقد حذرنا الله من التفرق والتمزق، فقال سبحانه:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾

[الأنعام: 159]

ومع ذلك انقسم المسلمون إلى فرق وطوائف وأحزاب، كل حزب بما لديهم فرحون، وتركوا الكتاب الذي يجمعهم على كلمة سواء…

  • العودة إلى القرآن سبيل النجاة

لن تعود للأمة عزتها وكرامتها، إلا إذا عادت إلى كتاب ربها، وجعلته المصدر الأول للتشريع والهداية، لا تقدمه الروايات، ولا يزاحمه التقاليد.

فالقرآن وحده هو النور الذي يهدي به الله من اتبع رضوانه. قال تعالى:

﴿ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ • يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ﴾

[المائدة: 15-16]

فلنتمسك بالقرآن… ليكون الله معنا، ولنكن من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، لا ممن خالفوه وضلوا السبيل .