تحقيقات وحوارات
القرآن النور الذي لا يُطفأ || آياته تبقي شاهدة على الحق المبين .. كلام الرحمن أم أوهام البشر ؟
- علي الشرفاء الحمادي يكتب : نور الله في مواجهة الظلام .. وكيف شوهت الروايات رسالة الإسلام
مقاصد آياتِ القرآنِ لخير الإنسانية جميعًا تدعو للرحمة والعدل والحرية والسلام والتعاون بين جميع البشر ، من أجل أنيعيش الإنسان آمنا على حياته، لديه مَسْكِّنه موفراً قوت يومه في سلام واستقرار، يؤدي عباداته، يتبع هدى الله وآياته، يُعمرالأرض ويكتشف ما فيها من بركاته ليوظفها في خدمة الإنسان وسعادته في حياته الدنيا، ليشكر الله على ما رزقه وسخر لهمخلوقاته من الأنعام والنعيم ليستعين بها في مواجهة متطلبات حياته، ورسم له منهاجا يسير على هدى ونور يحقق له فيالآخرة خير الجزاء في جناته .
- خطاب الله لـ خلفه
وقضية رسالة الإسلام للناس هي خطاب الله لخلقه كلف به رسوله ليبلغه للناس وهو من البشر وخاطبه الله تأكيداً علىهويته أنه إنان من خلقه كلفه الله بمهمة محددة .
وقال سبحانه بخطابه يأمره : " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًاصَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا " .. الكهف:١١٠).
آية اختصرت دين الإسلام في جملتين فقط ، العمل الصالح وعدم الشرك بالله، فهل بعد ذلك يحتاج إلى تفسير أو فتاوى أوتوضيح ؟
تعني الجملتان؛ التوحيد بالله (لا إله إلا هو ) و العمل الصالح الذي ينفع ويمنع عنهم الضرر بكل أشكاله، واحترام حقالإنسان في الحياة الكريمة وحق الاختيار للعقيدة التي تناسبه دون إكراه، وممارسة الرحمة بالعدل بين الناس وتحريم الظلموتحقيق التكافل بين أفراد المجتمع، حتى لا يبقى فقير يسأل ولا جائع ولا مريض يبحث عن الدواء لاجى ليس له مأوى، ولامظلوم يطالب بحقه.
- رسالة الله للناس
كل إنسان يرفق بأخيه الإنسان ويُحسن إليه ويتقرب كل الناس لهم بالاحترام والمودة والسلام؛ في مجتمع يعيش فيه كلالناس في تعاون على البر والتقوى تحت مظلة الرحمن .
تلك هي بعض عناصر رسالة الله للناس موجهًا آياته لهم؛ للعقل الذي كرَّم الله به الإنسان خلقه عن الدواب والحيوان، وهويخاطب الناس سبحانه في أكثر من آية بدعوتهم للتفكر والتدبر، ليتبين لهم حقيقة آياته ومقاصدها منفعة الإنسان، ومايعود عليه من خير وصلاح تحقق له حياة كريمة.
ثم بعد وفاة الرسول عليه السلام -الإمام الأوحد والمعلم للإنسانية ورسول الله للناس- يدعوهم لتوظيف عقولهم لفهمدينهم فهماً صحيحًا وصادقاً موقنين بوحدانية الله وعظمته ومصدقين بيوم القيامة الذي فيه يبعثون مما يحمي الإنسانمن الضلال في طريق الشيطان.
وقد حذر الله سبحانه الناس رحمة لهم بقوله: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗوَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:٢٦٨) .
- دعوة شيوخ الدين
ذلك ما يدعو إليه الخطاب الإلهي وآياته الناس من مغفرة وفضل ويحذرهم من مغبة اتباع الشيطان لتدرك عقول الناس مايحقق مصلحتهم. فماذا كانت دعوة شيوخ الدين وأصحاب الروايات وناشرى الإسرائيليات للناس؟ دعوتهم تتناقض مع ماأمر الله سبحانه به الناس في الآية السابقة، وقد ألفوا آلاف الكتب المزورة على الرسول من روايات وأحاديث كاذبة تدعوالناس لطريق الشيطان، تشوه قيم القرآن، وتسيئ لرسالة الإسلام وتشجع على الفحشاء والمنكر وتنشر خطاب الكراهية بينالناس، وتخدع المسلمين بقتلهم إخوانهم في الإسلام وتفجير إخوانهم من خلق الله في المجتمع دون ذنب .
- النفس الأمارة بالسوء
يكفرون الناس ويستميلون النفوس المريضة والشريرة ليسعوا في الأرض قتلا وفسادًا. دعواهم تعكس قلوبًا لا تعرف الرحمةوضمائر ماتت وعقولاً استحوذ عليها الشيطان فأنساهم ذكر الله وتسلطوا على خلقه ظلمًا وعدوانًا.
يحاور الله سبحانه عباده بالعقل والحجة المنطقية، يمنحهم الحرية وحق الاختيار بينما أهل الروايات وشيوخ الدينوالمفسرون والواعظون والدعاة يخاطبون النفس الأمارة بالسوء، واستعدادها العاطفي باتباع طريق الشيطان الذي ينتهيبهم إلى الخسران في الدنيا والآخرة.
وشتان بين ما يدعو إليه الله سبحانه في كتابه الحكيم من رحمة وعدل وحرية وإحسان وسلام وتحريم القتل والظلموالعدوان، وبين ما يدعو به شيوخ الدين من الروايات المنسوبة للرسول ظلماً وبهتاناً، من تشجيع لطريق الشر وإقناع الناسبالظلم ونشر الفتن وجعلهم يعيشون حياة البؤس والضنك والدم .
- خالق السماوات والأرض
فكيف تستقيم المعادلتان؟! إحداهما من خالق السماوات والأرض، والثانية من عباده الذين ضلوا طريق الحق والصواب.
فأيهما نتبع، قول الله وآياته التي بلغها الرسول عليه السلام للناس بعد تكليف الله له في قوله سبحانه: (كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَايَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الأعراف:٢).
وأمره سبحانه للناس وتحذيرهم من اتباع كتب غير ما ينطق به رسول من آيات الذكر الحكيم مخاطبًا الناس: (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَإِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) (الأعراف :٣).
فهل نتبع قول الله وأمره أم نتبع أقوال البشر من خلقه الذين اتبعوا فهل نتبع قول الله وأمره أم نتبع أقوال البشر منالشيطان في سعيه لتنفيذ وعده أمام ربه عند خلق الإنسان في قوله: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (ص:۸۲)
وتحذير الله للناس من الشيطان يقول سبحانه: (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) (النساء:۱۲۰).
كما قال سبحانه: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ«٢») (الأنعام).
- أحاديث مكذوبة على الرسول
ونسبت الروايات والإسرائيليات بالكم الهائل من الكتب والمجلدات التى أطلق عليها الأحاديث المنسوبة للرسول ظلماًوبهتاناً في طغيان الروايات والأحاديث المزعومة على الروايات ولذلك يخاطب الله رسوله بصيغة استنكارية ليبين للناسبطلان الأحاديث المنسوبة بالروايات للرسول في قوله تعالى: (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِوَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) (الجاثية :٦)، فالله سبحانه يسأل رسوله عليه السلام في هذه الآية كيف يتبع المسلمون أحاديث مكذوبة علىالرسول، ويتركون آيات القرآن المبين الذي يدعوهم للرحمة والعدل والسلام والإحسان، وتحريم قتل النفس وعدم الاعتداءعلى الناس والتعاون مع الجميع بالبر والتقوى، وعدم التعاون على الإثم والعدوان، فيجيب الرسول مخاطبا وشاكياً إلى اللهأن السبب في ذلك هو قول الله سبحانه: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) (الفرقان: ۳۰).
- هجر القرآن الكريم
استطاعت الروايات بكل القدرات والإمكانات المتاحة لأعداء الإسلام أن يحملوها تطغى على الآيات التي جعلتهم ينصرفونعن القرآن ويهجروه حينما استحكمت في العقول، وتم خداع المسلمين بتقديسها لما نسبت للرسول، فاستحوذت علىأفكارهم وساقتهم إلى التنازع بينهم.
وذلك ما نعيشه اليوم؛ فقد انصرف الناس عما بلغه لهم رسول الله من القرآن واتبعوا ما ألفه العلماء وشيوخ الدين منروايات الشيطان، ويقضي الله بحكمه على الناس إما بجنة ونعيم وإما بنار وجحيم .
- كلمات الله شامخة خفاقة
وحين يصل الإنسان بقناعته إلى تلك الحقائق، ستختفتي إلى الأبد وتزول أوهام الشيطان ورواياته ، تلك التي شوهت رسالةالإسلام وغاياته، وحينئذ ستعلو كلمات الله شامخة خفاقة على كل الروايات والإسرائيليات، كما وعد الله سبحانه في قرآنهالكريم، بقوله: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة :۳۲).
ستظل آيات الله وكلماته مُشرِقةُ في كونه حتى قيام الساعة، تُضيء للإنسان عقله وتتنزل السكينة على قلبه، فتلك الآياتالقرآنية هي التي تهديه إلى طريق الحق وهي التي تكسبه رضا الله، ليغفر له ذنبه ويبارك له سعيه، فتتنزل عليه رحمتهوبركاته .. ويجزيه الله جنة النعيم في آخرته والله ولي التوفيق .
المقال مأخوذ من الجزء الثالث من كتاب ومضات علي الطريق .. المسلمون بين الآيات والروايات " للأستاذ علي الشرفاءالحمادي