اهم الاخبار
الخميس 06 نوفمبر 2025
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

مجدى طنطاوى يكتب : علي الشرفاء الحمادي… صرخة العقل في وجه تجار الدين

الوكالة نيوز

في زمن اختلطت فيه الأصوات وتكاثرت فيه المنابر لم يعد صوت الحقيقة مسموعا وسط ضجيج الفتاوى وصرير التكفير ورائحة الدم إنه زمن يتحدث فيه كل أحد باسم الله ويتخذ فيه بعض من ينتسبون إلى الدين من النصوص سلاحا لتمزيق الأمة وتفريق قلوبها في هذا المشهد الملبد بالدخان يطل المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي كصوت استثنائي يعلن ثورة فكرية على كل أشكال التزييف التي لحقت برسالة الإسلام ويدعو بجرأة إلى العودة إلى الخطاب الإلهي القرآني الخالص بعيدا عن الخطاب الديني البشري الذي صنعته القرون وحرفته الأهواء والمصالح

في كتابه الجريء «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي» يخوض الشرفاء معركة فكرية شرسة ضد جمود العقل واستبداد المؤسسة الدينية مؤكدا أن ما يعانيه المسلمون اليوم ليس سببه الإسلام وإنما الفهم المنحرف له والخطاب الذي أريد له أن يكون سلاحا للطاعة العمياء لا وسيلة للهداية والعقل فالدين كما يراه الشرفاء ليس قيودا ولا أوامر جاهزة بل رسالة رحمة وعدل وحرية يخاطب بها الله الإنسان مباشرة دون وسيط ولا وصاية خطابا يحرر العقل من الخرافة والنفس من الخوف والمجتمع من الكراهية

يضع الشرفاء يده على الجرح حين يفرق بوضوح بين الخطاب الإلهي الذي مصدره القرآن الكريم والخطاب الديني الذي هو نتاج بشر اجتهدوا فأخطأوا أو أصابوا فالأول ثابت خالد لا يتبدل لأنه من عند الله بينما الثاني متغير خاضع لظروف الزمان والمكان والمصالح السياسية والمذهبية ومن هنا تبدأ مأساة الأمة حين يتحول الخطاب البشري إلى مقدس فيعلو على الوحي ويصبح معيار الإيمان هو الطاعة للرجال لا الفهم لكتاب الله في تلك اللحظة يختفي النور القرآني ويحل مكانه ظلام التعصب والانقسام والدم

لا يتردد الشرفاء في كشف التناقض الصارخ بين ما يدعو إليه القرآن من تسامح وعدالة وإنسانية وبين ما يزرعه الخطاب الديني المتعصب من كراهية وتمييز فهو يرى أن الخطاب الإلهي جاء للعالمين كافة يخاطب الإنسان بوصفه خليفة في الأرض لا تابعا لقبيلة أو مذهب أو طائفة بينما الخطاب الديني حول الدين إلى حدود وأسوار وصراعات عبثية تراق فيها الدماء باسم الله والله منها براء ومن هنا تنبثق دعوته الشجاعة إلى الاعتصام بالقرآن وحده لا رفضا للتراث بل تمييزا بين ما هو وحي وما هو رأي وما هو ثابت وما هو عابر

اللافت في طرح الشرفاء أنه لا يكتفي بالنقد بل يقدم مشروعا فكريا متكاملا لإعادة بناء الوعي الإسلامي على أساس قرآني أصيل فهو يدعو إلى قراءة جديدة للنص القرآني بعقل مفتوح وروح متدبرة بعيدا عن الوصاية الدينية التي حولت الفهم إلى حفظ والتدين إلى تبعية يرى أن الإصلاح الحقيقي يبدأ بتحرير الإنسان من عبودية الفكر الموروث وأن الإيمان لا يكتمل إلا حين يكون نابعا من وعي وفهم لا من خوف أو تقليد

في كتابه يعلن الشرفاء بوضوح أن المسلم لا يحتاج إلى وسطاء بينه وبين ربه وأن القرآن الكريم وحده كفيل بأن يهدي البشرية إلى الحق لأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وما دام المسلمون قد هجروا هذا الكتاب العظيم إلى كتب البشر فلا عجب أن ضلوا الطريق وتفرقت بهم السبل واستبدل نور الوحي بظلمات العصبية من هنا جاءت دعوته الحاسمة العودة إلى الأصل الإلهي إلى النبع الصافي الذي يحمل للناس الرحمة لا العذاب والمحبة لا الكراهية والعقل لا الجمود

إن «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي» ليس مجرد كتاب في الفكر الديني بل هو بيان إصلاحي ثوري يدعو إلى إعادة اكتشاف الإسلام من جديد بعيدا عن تراكمات التاريخ وأسوار المذهبية إنه تذكير صادق بأن الله لم يكلف رجال الدين بتفسير إرادته بل أنزل كتابا بلسان عربي مبين يخاطب كل عقل قادر على الفهم والتدبر

وفي زمن أصبح فيه صوت التكفير أعلى من صوت التفكير يظهر علي محمد الشرفاء الحمادي كضمير حي يذكر الأمة بأن خلاصها لن يكون بالانغلاق بل بالعودة إلى القرآن وأن طريق النور يبدأ حين يميز المسلم بين ما قاله الله حقا وما أضافه الناس زيفا فهل آن للأمة أن تصغي لصوت العقل وتستفيق من غفلتها قبل أن تبتلعها ظلمات الخطاب البشري