اهم الاخبار
الأحد 19 أكتوبر 2025
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

على الشرفاء الحمادي يكتب : عودوا إلى الله

علي الشرفاء
علي الشرفاء

في زمنٍ تهاوت فيه القيم كأبراجٍ من ورق، واهتزّت فيه البصائر حتى صار الباطل حقًا والحق مستغربًا، نشهد انحدارًا مهولًا في المفاهيم، يُزلزل العقيدة، ويطمس نور التوحيد الذي جاء به النبي محمد ﷺ رحمةً للعالمين.

مشاهد تدمع لها القلوب قبل العيون، لا لعجائبها، بل لما تكشفه من ضياع وانحراف عن جوهر الدين. نرى أيدي الناس تُرفع، لا لربّ السماء، بل لقبورٍ صامتة، لأضرحة زُيّنت فوق رفات بشرٍ ماتوا لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا! تُطلب منهم الحاجات، ويُرتجى منهم الفرج، وكأنهم يملكون خزائن الغيب، أو مفاتيح الرحمة!

يا حسرةً على العقول! كيف يُستبدل القادر العليم بمن لا يملك لنفسه موتًا ولا حياةً ولا نشورًا؟! كيف يُترك باب الله المفتوح، ويُطرق باب من لا يسمع ولا يستجيب؟!

إنها دعوة صادقة، من قلبٍ يغار على العقيدة، أن عودوا إلى الله… فهو القريب، المجيب، السميع، العليم… لا يُرد من دعاه، ولا يُخيّب من رجاه

قال الله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيب دعوة الداعِ إذا دعان} (البقرة: 186)

فهل بعد هذا الوضوح من لبس؟ وهل يُعقل أن نترك هذا القرب الإلهي وهذه الاستجابة الربانية، لنهرع إلى من هم بحاجة إلى دعاء الأحياء لأنفسهم؟

لقد أنزل الله كتابه، وجعل فيه الهدى والنور، وأمرنا باتباعه فقال: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} (الإسراء: 9)

فما بالنا نبحث عن الهداية في القبور؟ وكيف نرجو الاستقامة من طرق ما أنزل الله بها من سلطان؟

لقد كانت خارطة الطريق إلى الله واضحة: تبدأ بالتوحيد وتنتهي بالرضوان. وها نحن نبدّلها بخريطة من الخرافة والبدع والتعلّق بمن لا ينفعون ولا يضرّون.

إنّ القرآن الكريم، وهو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، حذّرنا من الغلو في الصالحين ورفع البشر فوق منزلتهم، فحين قال أهل الجاهلية: {ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى}

ردّ الله عليهم بقوله: {إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون، إن الله لا يهدي من هو كاذب كفّار} (الزمر: 3)

وقال الله سبحانه: {إن الذين تدعون من دون الله عبادٌ أمثالكم، فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين} (الأعراف: 194)

فأيّ بيان أوضح من هذا؟ أليسوا عبادًا مثلنا؟ فلمَ التوسّل بهم وقد أعجزهم الموت عن الإجابة؟ بل ويزيد الله سبحانه الأمر بيانًا بقوله: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} (غافر: 60)

فالدعاء عبادة لا تصح إلا لله وحده، وأي تحويل لها لغيره هو شرك بالله، مهما زيّنته النفوس أو برّرته العقول.

قال تعالى : {قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا إلا ما شاء الله} (الأعراف: 188)

فإذا كان هذا حال نبي الله ﷺ، فكيف بمن دونه؟ كيف نلتمس المدد من موتى لا يسمعون؟

بل قال الله عز وجل: {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم * ولو سمعوا ما استجابوا لكم * ويوم القيامة يكفرون بشرككم} (فاطر: 13-14)

وقال سبحانه : {إنما تعبدون من دون الله أوثانًا وتخلقون إفكًا، إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقًا، فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له، إليه تُرجَعون} (العنكبوت: 17)

وما أصدق هذا التصوير: حينما يتعلّق الإنسان بما لا يسمع ولا يعقل، ويترك الحيّ القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم.

بل يحذّرنا الله من عاقبة هذا الطريق فيقول: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم، أنتم لها واردون * لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها، وكلٌّ فيها خالدون} (الأنبياء: 98-99)

ويقول أيضًا: {قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئًا ولا يضرّكم * أُفٍّ لكم ولما تعبدون من دون الله، أفلا تعقلون} (الأنبياء: 66-67)

إن أعظم ما جاء به الإسلام هو توحيد الله ونفي الشركاء عنه، والاعتماد عليه وحده، قال الله: {فاعبد الله مخلصًا له الدين * ألا لله الدين الخالص} (الزمر: 2-3)

فلمَ التزييف؟ ولمَ التبديل؟ ولماذا صارت العقيدة الصافية غريبة بين أهلها؟

يحدث هذا لأن الجهل بالدين ينتشر، والقرآن يُهجر، والبدع تُزيّن باسم الروحانيات أو الكرامات، والناس يظنون أنهم على هدى، بينما هم يغرقون في أوهام!

وكذلك التوسل بالموتى والاستغاثة بهم دعاء مردود، لا أصل له في الإسلام، بل هو مما جاءت الشريعة بنقضه وتحذير الناس منه.

أيتها الأمة، يا من ضلّت بوصلة الإيمان في دروب الغفلة:

عودوا إلى الله، عودوا إلى القرآن، لا تجعلوا بينكم وبين ربكم وسطاء، لا ترفعوا أكفكم إلى تراب، بل ارفعوها إلى السماء!

إلى الذي قال: {أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض، أإلهٌ مع الله؟} (النمل: 62)

الجواب في قلوب الفطرة، وفي نور الوحي: لا إله إلا الله ، لا يُعبد سواه، ولا يُرجى غيره، ولا يُسأل إلا هو، ولا يُستغاث إلا به.

فلنغسل عن أرواحنا صدأ الجهل، ولنعد إلى توحيد ربّ العالمين، فهو السبيل، وهو الأمان، وهو الحياة.

 الختام بالقرآن  .. قال الله سبحانه: {هل ننبئكم بالأخسرين أعمالًا * الذين ضلّ سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا * أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا} (الكهف: 103-105)

إن ما تراه اليوم هو ما يقوم به أولئك الذين ضلّوا عن الطريق المستقيم، واتّخذوا أولياء الشيطان، يستدرجونهم إلى طريق الباطل وهم يشركون بالله.

بما كانوا يعملون، خسروا الدنيا والآخرة.