بأقلامهم
ندى البلتاجي تكتب : النظرة الاخيرة "حادثة نهر دجلة"

ينظر بعينيه الصغيرتين الى والدته و يبتسم ، تلك الملامح التي تملؤها البراءة، يتساءل الى أين سيذهب الأن، ينظر لأخته الرضيعة التي لا تعلم شئ عن هذا العالم سوى رائحة والدتها التي تميزها من بين الالوف، الرضيعة التي تتشبث بوالدتها و كأنها اخر الاشياء ثباتا في هذا العالم، فهي عالمها الصغير، لا يعلم لماذا والدته مسرعة لهذا الحد.. يهرول ورائها بقدميه الصغيرتان و يتساءل" ماما لوين بنروح" ،فلا تجيبه و كأنها بدون ملامح تصعد اعلى الكوبري و تقف امام نهر دجلة، والله وحده يعلم ما كان يجول برأسها في تلك اللحظة التي اسقطت ابنتها الرضيعة من يديها في الماء، فيرتسم الرعب على وجه الصغير غير مصدق أن منبع أمانه يخونه الأن، لا يصدق ان والدته تتخلى عنهما.. تمتد يدا الغدر للصغير وتحمله ،تلتقي نظرات الام بطفلها فلا يحرك فيها مشاعر الأمومة ولا الرحمة، لا يتبقى من مشاعر الانسانية في قلبها ذرة، فتكون النظرة الاخيرة في عيني الصغير لأمه، نظرة اجتمعت بها معاني الدنيا، لتلقي به في النهر، دون أن يعرف السبب، دون أن يعرف شئ عن حقارة العالم و عن الصراعات، دون ان تدخل الكراهية قلبه، دون ان يعلم عن قتل قابيل لهابيل ،دون ان يعرف عن حروب العالم و عن قبح نفوس البشر ، بالتأكيد لم يعاني، فالملائكة لا تشعر بالغرق، و لكن هل شعرت هي بالندم؟ ذلك الندم الذي هبط به سيدنا آدم من الجنة للارض بعد قضمه للتفاحة، هل كانت تتمنى أن تحرك بها نظرات الصغير الاخيرة و استغاثاته بها ساكنا... تلك السيدة ذات ال 18 عام ام لطفلين ،حركتها مشاعر الكراهية و الانتقام لتفعل ما لا يفعله أي حيوان بطفله، فمن نلوم اليوم يا صغيري ؟ على والدتك ام من جعلها في الاصل والدتك... فمن قال ان مشاعر الامومة توجد في كل فتاة ؟ فمشاعر الكراهية و الحقد تطغى، تقتل القلب تميته تجعله كالحجارة ،أصبح القبح في ارجاء عالمنا، اصبحت القسوة تتسلل لقلوب الاباء و الامهات، في كل حادث مفجع عن قتل ام لطفلها او ذبح اب لأبنه الرضيع، يزداد الخوف في قلوبنا و يبقا سؤال أين تذهب انسانيتنا؟... معادلة الزواج صعبة لكن عليك أن تختار أم لأطفالك وعليكِ أن تختاري والد لأطفالك أولا وقبل كل شيء ، قبل الملامح وقبل مواصفات الجسد الفانية ، عليكم إيجاد الشريك الذي يفيض قلبه بالحنان والحب ، ورحمته التي تغمر كل من حوله ، الذي يرفق بأهله وقبل كل شيء الذي يتقي الله في الناس، عليك أن تختار الرحمة اولا قبل ان تختار شكل ملامحها او جسدها، عليك ان تجلب اطفالا تحميهم من ذلك العالم الموحش، علينا أن نربي جيلا لا يعلم عن تلك الفواجع و الحوادث، جيلا لا يعرف سوى الحب و يشعر بالنظرات الاخيرة..