الفن
المسلسل التركي "الغراب" دراما تركية رائعة تستحق المشاهدة ... حب و انتقام بطريقة مختلفة

كتبت : داليا محمد
عُرضت الحلقة الثانية من المسلسل التركي الجديد "الغراب" للنجم التركي باريش أوردتش الشهير بعمر من مسلسله الشهير "حب للايجار" و بورجو بيرجيك المعروفة من مسلسل "ثأر الاخوة"، و حققت الحلقة الاولى التي عُرضت الاسبوع الماضي نسب مشاهدة تعتبر جيدة بالنسبة ليوم عرض صعب مثل يوم الاربعاء، حيث يعرض به المسلسلين العملاقين "قيامة ارطغرل الجزء الخامس" و مسلسل اشرح ايها البحر الاسود" الموسم الثاني، و عادة ما يتصدر المسلسلين الريتنج الاسبوعي في تركيا بحصولهم على المركز الأول و الثاني اسبوعياً من حيث نسب المشاهدة، و اللذان حجزا يوم الاربعاء وظلت المنافسة لفترة طويلة مقتصره عليهما.
إختيار يوم الأربعاء لعرض مسلسل جديد هو تحدى بحد ذاته، إلا ان مسلسل الغراب قرر ان يخوض هذا التحدى وبالفعل اثبتت أولى حلقاته مدى قوة هذا المسلسل الذى جذب الجماهير، و حققت الحلقة الاولى من مسلسل الغراب نسبة مشاهدات جيدة وهى 3.54 وحل فى المربتة الثالثة عشر فى قائمة المشاهدات ليوم الاربعاء.
و على الرغم من كونها نسبة ضعيفة ولكن كونها الحلقة الاولى وفى يوم صعب كيوم الاربعاء فقد حقق مسلسل الغراب نجاحاً يُشهد له بالفعل.
و جاءت المفاجأة المذهلة حين قفزت الحلقة الثانية فقزة مهولة في نسب المشاهدة لتحقق مشاهدات عالية للغاية وهى 5.05 و حل المسلسل فى المرتبة السادسة كأعلى المسلسلات مشاهدة أمس الاربعاء.
قبل عرض مسلسل الغراب نُشرت سطور قصيرة حول قصته و هى قصة إنتقامية تتخللها الرومانسية عن عائلتان كانت قريبتان من بعضهما وتربي أبناء العائلة كوزجون و ديلا معاً وكانا صديقا طفولة إلا ان عائلة ديلا خانت عائلة كوزجون وتسببت فى تشردها وموت والد كوزكون وقرر كوزكون أن يصبح أقوى فقط لاجل خطة إنتقامه الكبرى.
فقد تبدو القصة مكررة و ليس بها اي جديد و قد تم تقديمها في الدراما التركية وحدها أكثر من مرة بداية من مسلسل "ايزل" و آخرهم مسلسل "الجسور و الجميلة"، و لكن و رغم التشابه الكبير بين تفاصيل قصة مسلسل "الغراب" و مسلسل "حتى الممات"، إلا انك بعد رؤتك للحلقة الأولى ستغير رأيك تماماً و ستشعر أنك ترى هذا الطرح لقضية الانتقام في الدراما لأول مرة، فالقصة بها كم هائل من المشاعر و العواطف المشحونة تجعل قلب و عين المشاهد تزرف الدموع دون أن تشعر، فانا لم ابك أمام مسلسل تركي بهذا القدر قط، كما بكيت أمام هذا المسلسل الرائع و طوال مشاهدتي للحلقتين الأولى و الثانية و أنا اردد ألم يوجد انسان في هذه الحياة غير كوزغون لتحدث له كل هذه المصائب و الخسائر الفادحة.
https://youtu.be/14SAHCayMAo?t=63من اهم عناصر قوة المسلسل الموسيقى التصويرية الرائعة التى تهتز لها مشاعرك و تدمع لها عيونك حتى و انت تسمعها بدون مشاهد، فماذا سيكون تأثيرها و هي خلفية وراء هذه المشاهد المؤلمة خاصة مشهد معرفة ديلا بسرقة كلية كوزغون اليسرى و هي تقرأ ملف التحقيقات الخاص به و بالمناسبة ابدعت برجو في هذا المشهد ابداع لا يوصف، و الموسيقى التصويرية من تأليف الموسيقار الشهير ( تويغار ايشيكلي ) من أعماله الاصطدام، الحفرة، في الداخل، العشق الممنوع، حب اعمى.
كذلك ابدع باريش في تقديم شخصية هذا الرجل المحمل بأعباء لم يتحملها بشر قبله و برع في تجسيد الشخصية بصوته المليئة نبراته بالحزن و الشجن و نظرات عينه الحائرة الجامدة الباردة و القاسية من هول ما رآه من عذاب و تخلي كل احبائه عنه، خاصة في مشاهده مع ديلا و نظرات انكاره لها و محاولة اخفاء حقيقة مشاعره تجاهها و تعلقه بها، كذلك الاحداث السريعة و انكشاف الحقائق منذ الحلقات الأولى و ظهور كوزغون امام أعدائه بشخصيته الحقيقية بعيداً عن الخداع المعتاد في مثل هذه التيمات.
و في الحقيقة أن المسلسل رائع و مميز و يحتوى على حبكة درامية مختلفة تماماً عن جميع المسلسلات التي تناولت فكرة الحب و الانتقام، فالمسلسل يستحق الاشادة و يُعد عودة قوية لباريش بعد غيابه لأكثر من عامين، حيث عرض المسلسل فكرة الصداقة العائلية التي تحولت بعد خيانة احداهم للآخرى إلى عداوة كبيرة، و لكن تختلف طريقة الخيانة بشكل كبير عن كل ما تم تقديمه في الدراما التركية من قبل، ما جعل العمل يتفرد بتقديم هذه التيمة التي تُعد مكررة بعض الشيء و لكن بصيغة مبتكرة جعلت منه مسلسلاً ليس له مثيل حتى الآن.
حيث تبدأ الأحداث بالفلاش باك بين طفلين بريئين ديلا / بورجو و كوزغون / باريش جمعتهم قصة حب طفولية بريئة، يعمل والدهما ضباط شرطة و اثناء قبضهم على إحدى العصابات الاجرامية، يأخذ والد ديلا روشة من تلك العصابة ليلعب في اوراق القضية، فتخرج تلك العصابة من القضية و تلتصق التهمة بوالد كوزغون بل و يتم اتهامه بتقاضي الرشوة، فيلجأ والد ديلا لها و يطلب منها اثناء لعبها مع كوزغون أن تضع طرد النقود في إحدى غرف بيتهم و تخفيه جيداً، تنفذ الطفلة امر والدها دون أن تدرك ما تفعله، فيتم القبض على والد كوزغون بعد العثور على النقود التي وضعتها ديلا، و لكن لم يتوقف الأمر هنا، بل يخفي والد كوزغون تسجيل بالصوت و الصورة يدين العصابة و يظهر فيه عملية القبض عليهم و يبرئه من تهمته، لكن لم يمهله الوقت لاظهار برائته، فيقتحم رجال العصابة المنزل على والدة كوزغون و يسألونها على مكان التسجيل و لكنها لم تكن تعرف مكانه، فتأخذ ابنائها الثلاثة كرهينة حتى تسلمهم التسجيل، و لكنها تدافع عنهم بكل استماتة فيخبرها احد المجرمون انها يمكنها اختيار واحد فقط من ابنائها للذهاب معهم كرهينة بدلاً من الثلاثة، فترفض الاختيار في البداية و لكنها توقع اختيارها في النهاية على كوزغون نظراً لانه اكبر ابنائها و يمكنه التحمل قليلاً، و لكن يقع اختيارها هذا كالصاعقة على هذا الطفل البريء الذي يسمع والدته و هي تضحي به من اجل اخوته، و ليس ذلك فحسب و لكنه حين استطاع الهرب و تمكن من الوصول إلى البيت، يجد والدته تركت المنزل فيظن انها تخلت عنه و من هنا يصبح الشارع منزله و يتشرد هذا الطفل البريء و يرى ما لا يتحمله بشر و يتعرض للاختطاف و تُسرق كليته اليسرى، و لكنه يتحمل التعذيب و النوم كل يوم برداً و جوعاً و ألماً و قهراً عنداً فيمن آذاه، لقد عاد كوزغون لينتقم و لكنه ليس كوزغون الصغير، انه الرجل مكتمل الرجولة، مجرد جسد بلا قلب أو روح، أنه يتعامل مع الجميع بـبرود تـام، لا شيء يثير غضبه، لا شيء يثير حزنه، لا شيء يثير فضوله، كـأنه في معركة لم تقتله هو لكنها أفسدت روحه وقلبه، و قتلت رغبته في الحياة .
عشرون عاماً من الضياع و الوحدة و انعدام الحب و الحنان، يجعلون الملاك شيطان و لكنه فاق هذا الوصف، فهو الآن ليس ملاك أو شيطان او حتى انسان، انه جماد لا يشعر و لا يتألم و لا يحب و لا يرحم و لا يهتز له شعره لو رأى العالم يُحرق من حوله، لدرجة أنه استطاع الوصول لأمه و اخوته و لكن ما يحمله بداخله من كره و غضب جعله لم يفكر يوماً في الذهاب لها كي يجعلها تمضي عمرها في آلام فقدانه، كما تألم هو و يأتي مشهد لقائهم و هو المشهد الأفضل في الحلقة الثانية، فقد عرض المخرج المشهد دون مبالغة لدرجة أنك كمشاهد تشعر أنه مشهد عادي جداً، و لكن هنا تكمن الروعة و قوة المشهد من بساطته و هدوءه و الموسيقى التصويرية الرائعة التي هزت القلوب بعيداً عن الصراخ و البكاء الزائد و المبالغة في الأداء، كذلك أكثر من مشهد فمثلاً مشهد معرفة والد ديلا بحقيقة كوزغون و مشهد معرفة ديلا بحقيقة انه الطفل الذي طالما بحثت عنه بعد لقائهما الأول، الذي لم يكن صدفة و انما من ترتيب كوزغون الباحث عن الانتقام، في كل تلك المشاهد كان كل شيء طبيعياً جداً، حيث ابدع باريش في تمثيله و قدم شيء جديداً بالفعل سيضاف إلى تاريخه الفنى.
على الجانب الآخر نجد بورجو او ديلا الطفلة البريئة التي تحولت في ليلة و ضحاها إلى امرأة عجوز من فرط شعورها بالذنب الذي سيطر عليها و عذاب الضمير بعدما فهمت اللعبة التي استغلها بها والدها ليزج بصديق عمره إلى السجن و يقبض الثمن لعلاج والدتها من مرضها، و لكن تموت والدة ديلا و لم يتبقى لها سوى ذنبها التي لا تستطيع أن تسامح نفسها عليه، وجاءت شخصية ديلا قريبة الشكل كثيراً من الطفلة الصغيرة التي قامت بدورها و كون شخصية ديلا الشابة اليافعة الجميلة تظهر بنفس طول الشعر للطفلة الصغيرة في اشارة إلى توقف العمر بها في اللحظة التي دمرت فيها حياة اسرة كاملة كان لفتة رائعة تستحق الاشادة، انها تحاول بشتى الطرق التخفيف من ذنبها و من آلام كوزغون، و لكنها دائماً ما تصطدم بقسوته و جموده فهل ستستطيع مدواة جروحه ، هل سيلين قلبه و يغفر لها ذنبها الكبير؟ هل ستطيب جروحه على يديها، هل سيفتح لها و للحياة قلبه من جديد و ينسى ما مر به من ألم و عذاب؟
قصة انتقامية رائعة و جديدة و مؤثرة للغاية من فرط ما بها ظلم و قسوة تعرض لهما البطل، انصحكم بمتابعة العمل و لكن عليكم من جلب باقة من المناديل الورقية لأنك بالتأكيد ستحتاجها لتجفف دموعك التي لن تستطيع حبسها من شدة تأثرك.