بأقلامهم
علي الشرفاء يكتب : الرسول بين البلاغ والاتباع .. لقد جاءكم رسول ليعلمكم الكتابة والحكمة
الرسول في القرآن الكريم : قدوة في الالتزام .. لا مصدر وحي جديد
يضعنا القرآن الكريم امام حقيقة فاصلة في فهم مقام الرسول ووظيفته وحدود اتباعه حقيقة ترفع الالتباس الذي تراكم عبر القرون بين الوحي الإلهي والسلوك البشري وبين البلاغ الرباني والاجتهاد الانساني، فالرسول في القرآن مبلغ عن الله ومبين لكتابه ومعلم للناس ما نزل اليهم، لا مشرع ويعلمهم الكتاب والحكمة. من عند نفسه ولا مصدرا مستقلا للدين.
يقول الله سبحانه ولقد جاءكم رَسُولُ مَنْ أَنفُسِكُم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم، ويقول جل شأنه هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، وهذه الآيات ترسم ملامح الرسالة بوضوح فالرسول يتلو آيات الله ويزكي الناس بالقرآن ويعلمهم الكتاب والحكمة .
والكتاب هو القرآن المنزل المحفوظ اما الحكمة فهي حسن الفهم والتطبيق والاتزان في تنزيل آيات الله على واقع الناس دون تحريف ولا غلو ولا استبدال، والحكمة في القرآن ليست نصا موازيا للوحي ولا مصدرا تشريعيا مستقلا بل هي المنهج القويم في الفهم والعمل وهي ثمرة العلم بالكتاب والالتزام به ولهذا قرن الله الحكمة بالكتاب ولم يجعلها منفصلة عنه.
لقد وقع الخلط حين جرى نقل مفهوم الاتباع من اتباع ما انزل الله الى اتباع الروايات المنسوبة الى الرسول فجعلوا الاتباع اشخاصا ونصوصا ظنية بدلا من أن يكون الاتباع للوحي الإلهي الذي جاء به الرسول، والقرآن يضع حدا فاصلا في هذا المعنى بقوله سبحانه إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي فالرسول نفسه مأمور بالاتباع لا الابتداع ولا التشريع من عنده فكيف يطلب من الناس أن يتبعوا غير ما اتبع هو.
إن طاعة الرسول في القرآن ليست طاعة لشخصه من حيث هو انسان بل طاعة للرسالة التي يبلغها ولذلك قال الله تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله لان الرسول لا يأمر الا بما انزل الله ولا ينهى الا بما نهى عنه ربه وحين نفهم هذا قل الميزان يتضح معنى الاتباع الصحيح فالاسلام لم يجعل الاتباع تقديسا للاشخاص ولا تجميدا للعقل بل جعله التزاما بالوحي واقتداء بمن حمله وبلغه بامانة.
فالاقتداء بالرسول يكون في صدقه وامانته وصبره وعدله ورحمته والتزامه بالقرآن لا في تحويل سيرته البشرية واجتهاداته الزمنية الى شريعة ملزمة خارج كتاب الله لقد جاءكم رسول ليعلمكم الكتاب والحكمة لا ليضيف دينا جديدا ولا ليجعل من اقواله البشرية وحيا ولا ليحمل الناس على تقديس الأشخاص، انما جاء ليحرر العقل من التبعية ويحرر الدين من الأساطير ويعيد الانسان الى عهد الله وميثاقه وهكذا يبقى الرسول في مقامه العظيم رسول الله المبلغ عن ربه والقدوة في الالتزام بالقرآن والشاهد على الناس ويبقى القرآن هو المرجع والميزان والهداية والحكمة وبهذا يتحقق الاتباع الحق اتباع لله من خلال كتابه وعلى منهاج رسوله كما اراد الله لا كما صنع الناس .