مجدى طنطاوى يكتب : إعلام الشبع في زمن الجوع
حين يخرج المذيع عمرو أديب على شاشة واسعة التأثير ليصف فطيرة سجق دليفري وعليها فلفل حار ويقترح على الشيف قبل دخولها الفرن أن يطأش عليها بيضتين ثم التحلية بالقشطة والعسل لا يكون الحديث وصفة عابرة بل لحظة كاشفة لانفصال موجع عن نبض الناس
شاشة تفتح أبوابها لتخاطب شعبا تدور رحاه تحت عجلات اقتصاد يئن ويصرخ
فتصير الكلمات دهنا مسكوبا على نار الجوع
وتتحول الوصفة إلى مرآة قاسية تعكس فجوة واسعة بين من يتكلم ومن يسمع
ليس العيب في الطعام
ولا في لذة أباحها الله
العيب أن يستعرض الشبع في زمن البحث عن رغيف
وأن تقدم النكهة بوصفها خبرا
بينما البيوت تعد الأيام لا الوجبات
وأن يقال للناس صامتين أو صاخبين كلوا كما نأكل أو اصمتوا
هكذا حين ينفصل الإعلام عن واقع الناس
وحين يخاطب البطون الخاوية بلغة الموائد العامرة
يصير الكلام أثقل من الحجر
ويغدو الصوت العالي ستارا يخفي فراغ المعنى
وتتحول الشاشة من نافذة وعي إلى جدار بارد
نعم نعرف أن الله خلقنا درجات لحكمة
ونؤمن أن الأرزاق بيده
لكننا نعلم أيضا أن الله لا يحب إيذاء مشاعر خلقه
وأن الكلمة أمانة
وأن المنبر مسؤولية
وأن من يملك الميكروفون يملك أثرا
إما أن يكون بلسما
وإما أن يكون ملحا على الجراح
الإعلام ليس مطبخا للتباهي
ولا صالة عرض للترف
هو جسر بين الحقيقة والناس
فإذا انهار الجسر سقطت الثقة
وإذا غابت الرحمة حضر السخط
وتكلم الغضب بديلا عن الأمل
في زمن الجوع يحتاج الناس إلى خطاب يشبههم
يفهم وجعهم
ويواسي صبرهم
ويشير إلى الطريق
لا إلى وصفة تزيد المسافة
ولا إلى ضحكة تشبه السخرية
الكلمة حين تخرج من الشاشة
إما أن تكون خبزا يقتسمه الجميع
أو سكينا يجرح من لا يملك شيئا
والفرق بينهما
ضمير المتكلم