اهم الاخبار
الجمعة 31 أكتوبر 2025
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

بأقلامهم

على الشرفاء يكتب : العودة إلى الخطاب الإلهي... الطريق إلى نهضة الأمة واستعادة روح الإسلام

علي الشرفاء
علي الشرفاء

في خضم الفوضى الفكرية وتعدد الأصوات التي تتحدث باسم الإسلام، غابت الرسالة الإلهية الصافية التي أنزلها الله تعالى نورًا وهداية للعالمين، وتحول ما يُسمّى بـ«تصويب الخطاب الإسلامي» إلى ساحة من الجدل العقيم، دون أن يمسّ جوهر المشكلة المتمثلة في الابتعاد عن الخطاب القرآني الأصيل الذي حمله النبي محمد ﷺ إلى الناس كافة. إن ما تحتاجه الأمة اليوم ليس تصويبًا في الشكل أو تجديدًا في الأسلوب، بل عودة إلى الأصل؛ إلى الخطاب الإلهي الذي يستمد نوره من القرآن الكريم، مصدر التشريع الإلهي، ومنهج العدل والرحمة والمساواة.

الخطاب الإلهي هو الشعلة التي تضيء العقول وتفتح القلوب لتبدد ظلمات الجهل والاختلاف، وتعيد الإنسان إلى جوهر الدين كما أراده الله. لقد جاء الإسلام رسالة عالمية إنسانية لا تعرف التمييز، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾، فبهذه الآية أرسى الله مبدأ المساواة وأبطل كل ادعاء بالتميّز القومي أو الديني أو المذهبي، فجعل ميزان التفاضل هو التقوى لا غير.

ولم يخصّ الله فئة أو أمة بكرامة دون أخرى، بل كرّم الإنسان بصفته مخلوقًا عاقلًا مكلّفًا، فقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾. تسقط هذه الآية كل دعاوى التفوق الزائف التي زرعت الفتن بين الأمم، لتعيد الإنسانية إلى ميزانها العادل الذي وضعه الله لجميع خلقه.

كان الرسول الكريم ﷺ المبلّغ الأمين، يحمل الخطاب الإلهي بالحكمة والموعظة الحسنة، ويدعو إلى الإسلام الذي يصون الحقوق ويقيم العدل بين الناس، لكن بعد وفاته تسللت الروايات المختلفة والتأويلات المتعارضة، فاختلط الحق بالباطل وهُجر القرآن في الحياة اليومية، كما قال تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾، فكان هجر القرآن سببًا في ضعف الخطاب الإسلامي وتشتّت الأمة، إذ تحوّل الدين إلى شعارات ومذاهب متنازعة، وفُقدت روح الرسالة الربانية.

إن ما يُسمّى اليوم بتصويب الخطاب الإسلامي لا يتحقق إلا بالعودة إلى الخطاب القرآني الصافي الذي هو أصل الرسالة ومصدر التشريع. فالقرآن هو الدستور الخالد الذي ينظم حياة الإنسان في السلم والحرب، في العبادة والمعاملة، في الحقوق والواجبات. وهو الذي يأمر بالعدل والإحسان، ويدعو إلى التسامح والتعاون بين الناس جميعًا دون تفرقة، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ﴾.

لقد وضع الإسلام أسس التماسك المجتمعي ووحدة الأمة في ثلاث آيات جامعة، يقول الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾، ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾. هذه الآيات الثلاث كفيلة، لو طُبّقت بصدق، بأن تنهي حالة الانقسام والاقتتال، وتعيد للأمة قوتها وهيبتها ومكانتها بين الأمم.

واليوم، يُرفع اسم الإسلام في كل مكان، لكن الواقع يشهد اختلافًا وتنازعًا بين من يزعمون تمثيله. فهل التزم أحد بتطبيق هذه الآيات الثلاث؟ هل تحققت وحدة الصف؟ هل تجسد التعاون على البر والتقوى؟ الجواب المؤلم: لا. فلو التزم المسلمون بأمر الله، لما تسلط عليهم أعداؤهم، ولما فُقدت العدالة، ولما ذلّت الأمة بعد عزّ.

إن الإسلام ليس شعارًا ولا طقوسًا، بل هو منهج حياة شامل يدعو إلى العمل والعلم والرحمة والعدل. والعودة إلى الخطاب الإلهي هي السبيل الوحيد لإنقاذ الأمة من التفرّق والضياع، وبناء مستقبل يقوم على الأمن والاستقرار والسلام، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. إنها دعوة خالصة للعودة إلى النور الإلهي الذي أرسله الله للعالمين، لنستعيد قيمنا، ونبني مجتمعات يسودها العدل والمحبة والسلام.