اهم الاخبار
الأربعاء 20 أغسطس 2025
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

عرس فكري وتاريخي تحت راية " رسالة السلام " بـ داكار .. ندوة جماهيرية تهز القلوب | صور

- مشروع علي الشرفاء الفكري يكتب فصلاً جديداً .. المئات يبايعون وإعلان الزكاة بوابة للنهضة وأيقونة للتكافل

الوكالة نيوز

تحت رعاية المفكر العربي الكبير علي الشرفاء الحمادي، مؤسس مؤسسة رسالة السلام، وفي واحدة من أبرز المحطات الفكرية التي شهدتها العاصمة السنغالية داكار مؤخرًا، احتضنت قاعة كبرى مساء امس ندوة فكرية وجماهيرية حاشدة نظمتها مؤسسة رسالة السلام للدراسات والبحوث، تناولت موضوع الزكاة ودورها في ترسيخ قيم العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية .

وقد غصّت القاعة بالحضور منذ الساعات الأولى، حيث ضمّت صفوفًا متراصة من العلماء والأئمة وأساتذة الجامعات وطلاب الدراسات الإسلامية والعلوم الاجتماعية، إضافة إلى وجوه بارزة من المجتمع المدني وقيادات شبابية ونسائية .

بدأت الجلسة بتلاوة عطرة من القرآن الكريم، أضفت أجواءً روحانية على القاعة وأدخلت الحاضرين في جو من السكينة والتأمل ومع انتهاء التلاوة، علت همهمات الترحيب والانتظار لما ستطرحه المنصة من أفكار.

ليعتلي بعدها مسؤول رسالة السلام بالسنغال الأستاذ السالك عبد الرحمن المنبر، مفتتحًا الندوة بكلمة رحب فيها بالوفد الزائر من مؤسسة رسالة السلام، مشيرًا إلى أن داكار، بما تمثله من حاضرة ثقافية وعلمية في إفريقيا، تحتضن اليوم فكرًا قرآنيًا أصيلًا يعيد الاعتبار للإنسان وقيمه العليا .

وقال: “إن ما تحمله رسالة السلام من رؤية تنويرية ليس ملكًا لشعب أو بلد بعينه، بل هو مشروع إنساني عالمي، ونحن في السنغال فخورون بأن نكون جزءًا منه ، وقد قوبلت كلمته بتصفيق طويل عبّر عن ارتياح الحضور.

تلاه الأستاذ ببكر فاتي، عميد كلية المعلوماتية والتقنيات الحديثة بجامعة “انتا جوب”، الذي تحدّث بصفته الأكاديمية عن التلاقي بين الفكر الديني ومشاريع التنمية وقال بلهجة حماسية: “الزكاة ليست مجرد صدقة أو إحسان، بل هي مؤسسة اقتصادية واجتماعية لو طُبّقت كما يجب لما وجدنا فقيرًا بين المسلمين.” .

وأضاف أن الزكاة في جوهرها مشروع عدالة يعيد توزيع الثروة بشكل عادل ويضمن كرامة الإنسان، لافتًا إلى أن المجتمعات الإفريقية التي تعاني من الفقر يمكن أن تجد في الزكاة نظامًا عمليًا ناجعًا لمواجهة أزماتها.

وعندما جاء دور المدير العام لمؤسسة رسالة السلام الكاتب الصحفي مجدي طنطاوي، كان واضحًا أن الجمهور ينتظر مداخلته بكثير من الاهتمام ، وقد ألقى محاضرته بعنوان : “ولقد كرّمنا بني آدم .. الهدف الأسمى لرسالة السلام” ، استهل كلمته بتلاوة قوله تعالى : “ ولقد كرّمنا بني آدم " ، ليربط منها إلى جوهر الرسالات السماوية ، وأوضح أن تكريم الله للإنسان هو أساس الشرائع جميعها، وأنه تكريم شامل للإنسان بما هو إنسان، بعيدًا عن أي انتماءات أو اختلافات .

وأضاف : " لا معنى لأي دعوة للسلام ما لم تنطلق من احترام كرامة الإنسان، فالسلام ليس مجرد غياب الحرب، بل منظومة قيم قوامها الرحمة والعدل والإحسان.” وقد تفاعل الحاضرون بشكل لافت مع كلماته، إذ دوّن الكثيرون ملاحظاتهم، بينما علت بين الفينة والأخرى أصوات التأييد والدعاء.

" ولقد كرّمنا بني آدم” الهدف الأسمى لرسالة السلام .. النص الكامل لكلمة الكاتب الصحفي مجدي طنطاوي :

حين نتأمل في قول الله تعالى: " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء: 70] ، ندرك أن التكريم الإلهي للإنسان هو حجر الأساس الذي تقوم عليه كل رسالات السماء، وعلى رأسها رسالة السلام.

إن هذا التكريم الرباني ليس تكريمًا مشروطًا باللون أو العرق أو الانتماء، بل هو تكريم للإنسان بما هو إنسان لكونه مخلوقًا عاقلاً يحمل أمانة الله في الأرض. قال تعالى: " إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً” [البقرة: 30] ، فالخلافة في الأرض لا يمكن أن تقوم على الظلم وسفك الدماء، بل على العدل والإحسان والرحمة، وهي كلها من لبِّ رسالة السلام.

السلام .

رسالة الأنبياء جميعًا ، جاءت الرسالات السماوية جميعها لتدعو إلى السلام، لا فقط كحالة من غياب الحرب، بل كمنظومة متكاملة من القيم ، السلام مع النفس ومع الآخر ومع الكون , يقول تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ”[الأنبياء: 107] ، فالرسالة خاتمة الرسالات جاءت لتعميم الرحمة على العالمين، بغضّ النظر عن الدين أو الجنس أو العرق.

ومن التكريم إلى التعايش ، إن تكريم الله لبني آدم يعني ضمنًا ضرورة احترام كرامة الإنسان في كل مكان. وهذا يتجلّى في مبادئ كبرى رسّخها القرآن الكريم مثل: العدل : “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” [الحجرات: 9] .. و الحرية: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ”[البقرة: 256] .. و الاختلاف سنة كونية: “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً [هود: 118]

الواقع وتحديات السلام ، لكن الواقع الإنساني كثيرًا ما يناقض هذا الهدف الإلهي السامي، فبدل أن يكون الإنسان مُكرَّمًا، كثيرًا ما يُهان ويُستعبد ويُقتل باسم الدين أو السياسة أو العرق. وهنا تكمن المفارقة: أن نكرّم ما كرّمه الله لا أن نحقره وندمّره ، و العودة إلى روح السلام التي بُعث بها الأنبياء تبدأ من الاعتراف بإنسانية الإنسان وكرامته، وأن كل نفس بشرية هي نفس عظيمة عند الله: " مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍفَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا” [المائدة: 32]

إن الهدف الأسمى لرسالة السلام هو حماية كرامة الإنسان التي أقرّها الله له في كتابه وجعلها مقدّمة على كل اعتبار. فكل دعوة للسلام لا تبدأ من هذا التكريم الإلهي لبني آدم هي دعوة ناقصة أو مشوّهة. وقد آن الأوان أن تُبنى كل مشاريعنا الفكرية والسياسية والدينية على هذا الأساس الراسخ : “ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم " .

من جهته، قدّم الشيخ محمد آن، عضو المجلس الإسلامي المحلي، مداخلة ركّزت على مقاصد الزكاة، مؤكدًا أن الزكاة في الإسلام ليست مجرد عبادة فردية، بل نظام شامل يضمن التكافل ويحقق السلم الاجتماعي .

وقال: “حين يعطي الغني حق الفقير، فإن الأمر لا يقتصر على إطعام أو إكساء، بل يتعدى إلى حماية كرامة الفقير وربط المجتمع برابطة المحبة والإخاء.” وأوضح أن الزكاة هي الضامن الأكبر لوحدة المجتمع المسلم وتماسكه، مشددًا على أن إحيائها بصورتها الكاملة كفيل بإزالة أسباب النزاعات الاجتماعية.

أما الإمام عمر جلو، إمام الجامع الكبير في داكار، فقد ختم المداخلات بكلمة مؤثرة، أكد فيها أن الزكاة هي مرآة لرحمة الإسلام وسلامه. وقال: “حين نتحدث عن الزكاة، فإننا نتحدث عن عمود رابع يقوم عليه بنيان الإسلام، ركنٌ يطهر النفوس قبل أن يطهر الأموال.”.

 وأضاف أن الأزمات التي تعيشها البشرية اليوم إنما تعود إلى غياب مثل هذه القيم القرآنية التي تحفظ التوازن بين الناس. وحث الشباب والنساء على أن يكونوا في طليعة من يحيون هذه الفريضة ويدافعون عن قيمها.

ومع ختام المداخلات، وجّه المنظمون دعوة للحضور لاستلام نسخ من كتاب “وثيقة الدخول في الإسلام”، إضافة إلى بطاقات الانتساب لمؤسسة رسالة السلام ، وهنا شهدت القاعة لحظات حماسية .

إذ تقدم العشرات ثم المئات من الرجال والنساء لتسجيل أسمائهم، في مشهد عبّر عن الانجذاب لفكر المؤسسة وقبولها المتزايد في الوسط السنغالي والإفريقي. وكان لافتًا أن العديد من الشباب الجامعيين اصطفوا بحرارة ليكونوا جزءًا من هذا المشروع الفكري.

وقد شارك في الندوة عدد من كوادر مؤسسة رسالة السلام، وهم: " القس الدكتور جرجس عوض ، والأستاذ حي حسن معاوية ، و الأستاذ الحاج محمد الأمين ، و الأستاذ الخديم سيمدح " ، إلى جانب لفيف من الأساتذة والأئمة الأفاضل وعدد من الشخصيات السنغالية رفيعة المستوى، وعلى رأسهم مستشار الوزير الأول.

وانتهت الندوة في أجواء من الرضا والاقتناع، حيث تبادل الحضور النقاشات على هامشها، واتفق الكثيرون على أن ما شهدوه لم يكن مجرد محاضرات أكاديمية، بل تجربة فكرية وروحية أعادت لهم الثقة في أن الإسلام قادر على تقديم حلول عملية لمشاكل العصر.

وبذلك، أضافت مؤسسة رسالة السلام محطة جديدة إلى مسارها التنويري في إفريقيا، مؤكدة أن رسالتها تقوم على القرآن الكريم ومقاصده في تكريم الإنسان وبناء مجتمع يسوده العدل والسلام .