اهم الاخبار
السبت 02 أغسطس 2025
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

علي الشرفاء الحمادي يكتب : المتبرئون من القرآن

علي الشرفاء الحمادي
علي الشرفاء الحمادي

قال اللّٰه تعالى في كتابه الكريم يأمر نبيَّه محمداً صلى اللّٰه عليه وسلم أن يبلّغ الناس جميعاً: " قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُاللَهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " - " الأعراف: 158 " .

لقد أمر اللّٰه رسوله أن يبلّغ الناس بأنه مؤمن بالله وكلماته، أى آياته القرآنية، وأمرهم أن يتّبعوه، وقد شهد المسلمون بذلك عند نطقهم بالشهادتين:

" أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله " ، وبذلك يكون المسلم قد عاهد اللّٰه ورسوله باتباع ما جاء به النبي صلى اللّٰه عليه وسلم من ربه، والإيمان بما آمن به الرسول من آيات ربه.

فإن نقض المسلم هذا العهد وهجر القرآن، الذي هو المرجع الوحيد لدين الإسلام، فقد خالف أمر اللّٰه، وانسحب من دينه، وعليه أن يراجع نفسه ويتدبر آيات اللّٰه ليصحّح مساره قبل فوات الأوان؛ فحينها لن ينفعه ندم ولا شفاعة، إذا واجه خزنة النار يسألونه كما ورد في قوله تعالى: " أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ " - " الزمر: 71 " .

فمن من المسلمين يرضى أن يكون في هذا الموقف أمام رب العالمين؟ ، من يرضى أن يكون من أهل النار؟ ، من يقبل أن يكون مطرودًا من الرحمة؟؟

إن اللّٰه سبحانه وتعالى يخاطب العقول ويحذر عباده تحذيراً استباقياً قبل وقوعهم في المحظور، ويهديهم إلى طريق الخير والسعادة في الدنيا، وإلى جنات النعيم في الآخرة ، فهل يعقل أن الخالق الحكيم يدلنا على طريق الرحمة والسلام والعدل، ثم نتجاهل دعوته التي تحقق للمسلم الأمن النفسي، والسلام الاجتماعي، وتطمئن نفسه بالسكينة، ويحيا حياة طيبة في الدنيا، وجنات النعيم يوم الحساب .

كما قال اللّٰه سبحانه يتحدث عن الإنسان؟ : " إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا * إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا * إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا " - " الإنسان: 3-11 " .

ويقول تعالى مخاطبًا الإنسان: " يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ * كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ * إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ " - " الانفطار: 6–19 " .

فليعلم الذين انتسبوا إلى الإسلام أن اللّٰه تعالى كلف نبيه أن يُبلّغ الناس آيات القرآن ليُخرجهم من ظلمات الجهل إلى العلم والنور، ويحذرهم من إغواء الشيطان، الذي وعد اللّٰه يوم خلق آدم بأنه سيغوي الإنسان ويستدرجه للكفر والجحود، والله يدعوهم بكتابه ليرشدهم إلى حياة مستقرة يسودها الإيمان والتعاون على البر والتقوى والرحمة : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ " - " المائدة: 67 " .

كما حدد اللّٰه سبحانه مهمة الرسول عليه السلام في خطاب التكليف بقوله: " نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ " - " ق: 45 " .

وما دام المسلم قد شهد أن محمداً رسول اللّٰه، وصدق بدعوته، وعاهد اللّٰه على اتباعه كما أمر اللّٰه، فليس من المنطق أن يخالف المسلم ما بلغه الرسول عن ربه من الآيات القرآنية في كتاب اللّٰه، ويعرض عنه ويتّبع ما يؤلفه البشر مما أطلق عليه “الأحاديث النبوية”، ويعلمون علم اليقين بأن اللّٰه سبحانه قد حكم عليها بالبطلان، في قوله: " تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ " - " الجاثية: 6 " .

وقال اللّٰه مخاطبًا رسوله عليه السلام: " قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ " - " الأنعام: 19 " .

ثم خاطب اللّٰه الناس بقوله محذرًا: " فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى " - " طه: 123-126 " .

فمن أراد هدى الله فسوف يعيش في سعادة ولن يشقى، ومن أعرض فليتحمل عاقبة اختياره، فالله سبحانه أعطى الإنسان حرية القرار، لكنه حمّله مسؤولية الاختيار، حيث قال تعالى: " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۖ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ - " فصلت: 46 " .

في هذه اللحظات التي يمر بها العالم العربي، بعد ما ابتعدوا عن التشريع الإلهي والمنهاج الرباني، الذي يدعوهم للتعاون على البر والتقوى، وعدم التعاون على الإثم والعدوان، ويحذرهم من التنازع في قوله سبحانه: " وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " - " الأنفال: 46 " .

لم يطيعوا اللّٰه ورسوله فيما بلغهم من آيات اللّٰه، فتنازعوا وتقاتلوا وتفرقوا إلى شيع وطوائف وأحزاب، وزادهم تفرقة حينما أعرضوا عن القرآن، واتبعوا الأقاويل الإسرائيليات وصدقوها وقدّسوها عقيدة وعبادة ومرجعية.

فانظر إلى حال العرب من تفرق وتشتت وحروب، ومئات الأبرياء تُزهق أرواحهم دون ذنب، سقطت دول: ليبيا، واليمن، والسودان، والعراق، والصومال… كل ذلك بسبب الفرقة والتنازع، مقدمين المصالح المادية الضيقة على مصالح الشعوب المهزومة، نتيجة الالتباس في فهم دين الإسلام، والوقوع في عدم التفريق بين الآيات القرآنية والروايات الشيطانية، والإعراض عن شرعة اللّٰه ومنهاجه.

وما يحدث في العالم العربي من فتن وحروب، كانت الروايات الإسرائيلية أحد أسبابها، التي أشعلت الخلافات وسوء الفهم، وأدت إلى الفرقة والاقتتال، وقدّمت أوطانهم لقمة سائغة لأعداء العرب يبتزونهم وينهبون ثرواتهم، ويسفكون دماءهم ويحتلون أوطانهم.

ومن أجل ذلك، بدأ الصهاينة بحرب نفسية جديدة، فما كفاهم أن جعلوا العرب، منذ الخلافة العباسية، يهجرون القرآن والآيات لحساب الروايات، ففي هذا الزمن خرجوا علينا بوهم جديد وفكرة خبيثة ملعونة لإثارة الشكوك في الكتاب المجيد.

وأصبح المسلم المتمسك بكتاب اللّٰه وآياته متهمًا بأنه “قرآني”، فانتشرت الشكوك، ولعبت بالنفوس المريضة في غيبة العقل والمنطق، لصب الزيت على النار، لتزداد الفرقة ويحدث الخلاف، واليهود ينسلون تحت جنح الظلام لقطف ثمار خططهم العدوانية.

إذًا، فلماذا أرسل اللّٰه رسوله محمد بن عبد الله؟ ليبلغ الناس آياته وتشريعاته ومنهاجه الأخلاقي في الآيات القرآنية، وما تدعو إليه من رحمة وعدل وإحسان، وتحريم الاعتداء على حقوق الإنسان، ونشر السلام في كل المجتمعات، ليعيش الناس في أمن وسلام دون نزاع ودون خصام؟

أسأل اللّٰه أن ينير بصيرتكم، ويجعلكم من عباده الصالحين، المتدبرين في القرآن الكريم وآياته، لما فيه ما ينفع الإنسان حين يقف أمام الديّان عند الحساب، وحيدًا لا شفيع ولا وسيط، وتُخرج له الملائكة كتابًا فيه سجل أعماله، كما قال اللّٰه سبحانه: " وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا " - " الإسراء: 13 " .

فيه سجل حافل عن جميع أعماله في الدنيا، ولم يترك الكتاب شاردة ولا واردة من أعمال الخير وأعمال الشر إلا ذكرها في سجل الإنسان