اهم الاخبار
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

صراع النفوس بين النور والنار .. حين تلبس الكراهية عباءة الدين وتتكلم بلسان الله

علي الشرفاء : الفتنة الكبرى ليست في الخارج .. بل في النفس التي استباحت كلام الله لتسفك الدم .. زيّفوا الدين وحملوا سيوف الحقد

علي الشرفاء الحمادي
علي الشرفاء الحمادي

صوتٌ خفيّ يدقّ في الأعماق .. أهو حديث النفس أم صرخة الروح ؟ .. وسؤال حائر يشعل الوجدان : هل حين تتكلم النفس تنطق بالحق .. أم تهمس بالحقد ؟! .. و .. وهنا تبدأ المعركة التي لا تنام .. بين نورٍ يسكن القلوب وظلامٍ يتسلّل في صورة دين .. بين فطرةٍ خُلقت للسلام ونفسٍ شوهتها الكراهية .. هنا يُكتب مصير الإنسان .. إنها حرب لا تُخاض بالسلاح بل بالنية والكلمة والضمير .. إنها ليست معركة فكر .. بل صراع وجود بين من خلقه الله ليبني ومن استباح دين الله ليهدم .. فاختر يا بن آدم موقعك قبل أن تختارك النهاية .

ولعل المقال الجرئ الذي كتبه المفكر العربي الكبير علي الشرفاء الحمادي .. تحت عنوان " علاقة النفس في تفسير النص " كاشف لكثير من الحقائق .. إذ يؤكد خلال سطوره أن النفوس عندما تكون مطمئنة تقرأ النصوص برحمة .. وعندما تضل سبيلها تحرّف فيها باسم الله .

وينادي الشرفاء الحمادي : انتبه أيّها الإنسان فالنفس إن صلحت سمت بأسم الله .. وإن خربت أحرقت كل شيء باسم الله .. لقد خلق الله النفس على الفطرة .. خلقها صافية كالماء .. مطمئنة بالإيمان .. مستسلمة للحق .. مطيعة لأمر الله .. طاهرة لا تعرف الحقد .. ترى في آيات الله طريق نجاة ورحمة وهداية .. تسعى إلى الخير .. وتتسابق نحو البر ..كما أرادها الخالق أن تكون .. سفيرة للسلام .. داعية إلى التراحم والتكافل .. تبث الأمل في الحياة وتزرع الأمان في القلوب .. وتؤمن بأن وعد الله حق .. إذ يقول المولي سبحانه وتعالي : " فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " .. صدق الله العظيم .

.. أما .. أما النفس الأخرى .. تلك التي أعرضت عن النور .. وارتضت أن تسكن الظلمة .. فهي النفس الأمّارة بالسوء .. المحطّمة .. البائسة .. الموبوءة بالكراهية .. والمشحونة بروح الانتقام .. تفسّر النصوص بعين حاقدة .. وتلبس رداء الدين لتبرر شرّها .. فتدّعي الطهارة وهي غارقة في الدماء .. وتنطق باسم الإيمان وهي تجسد أبشع صور الضلال .

لقد وجدت هذه النفوس المريضة ضالّتها في الفتن والخراب والدمار .. ثم .. ثم حوّلت الدين من رسالة حب وعدل إلى أداة قمع وقتل .. فاستحلّت سفك الدماء .. وباركت الذبح .. ورفعت شعار التكفير .. وتوهمت أنها بذلك تحجز لنفسها مكانًا في الجنة .. بينما هي في الحقيقة تسير حثيثًا إلى جهنم بأقدامها .. إنها نفس لم تجد في الواقع ما يشبع طموحاتها ..  أو يحقق لها أحلامها .. فتحولت إلى قنبلة موقوتة .. تبحث عن انتقام وعن صرخة .. وعن نار تلتهم كل شيء .. حتى الدين نفسه !

من هذه النفوس خرجت فتاوى الفجور " هكذا يقول علي الشرفاء الحمادي في سطور مقاله " .. خرجت شرائع الكراهية .. وأوامر القتل مدفوعة بروح الهزيمة .. ومبررة بخرافات تراثية .. اعتنقها أتباعٌ لم يعرفوا الله إلا عبر فكر مظلم .. شوّه الرسالة وحوّلها من نور إلى نار .. من رحم هذا الحقد خرجت جماعات القتل المتستر بالدين .. من داعش إلى القاعدة .. من فكر سيد قطب إلى زيف التكفيريين .. وجميعهم اتخذوا القرآن ستاراً لتمرير كراهيتهم .. وأوّلوا آياته حسب أهوائهم .. فحوّلوا  " سورة التوبة " إلى دعوة للدم .. و " الإسلام " إلى مرادف للرعب والخراب .

ويوضح علي الشرفاء للناس طريق الهداية والنور .. مؤكداً علي أن الله لم يترك الحق ضائعاً .. فقد رسم طريقه واضحاً وأعلنها صريحة في قوله عز وجل : " وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ " .. صدق الله العظيم .. فلا وصاية على الإيمان .. ولا جبر في الدين .. ولا تهديد في الاختيار .. ولا أحد فوق الناس يُكفّر أو يُحاسب أو يزجّ بالبشر في النار نيابة عن الله .. ولأن الله عادلٌ لا يظلم .. فهو وحده من سيحكم بين عباده يوم الفصل .. بين من آمن ومن كفر .. بين من صدّق ومن أعرض .. بين من أحسن ومن أساء .. فقد قالها صاحب الملكوت في السموات والأرض جهراً : " إِنَّ اللَّـهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " .. صدق الله العظيم .

فأيّ عبث هذا أن ينصّب بعض البشر أنفسهم وكلاء عن الله في محاكم التفتيش؟! .. أي جُرم أن تُستخدم آيات الرحمة لزرع الخوف .. وتُستبدل الدعوة بالمحبة بأوهام وأساطير ؟! .. من أعطاهم حق التصرف في مشيئة الله؟! .. ومن أباح لهم تحويل الإسلام إلى كابوس دامٍ يلاحق الإنسانية ؟!

إن الذين شوّهوا صورة الدين .. لا يملكون إلا متاعاً قليلاً في الدنيا .. ثم .. ثم إلى الله مرجعهم وهناك سيذوقون العذاب الشديد .. كما توعدهم الله في كتابه الكريم قائلاً : " قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ " .. صدق الله العظيم .

رسالة علي الشرفاء الحمادي واضحة وضوح الشمس .. تؤكد علي أن من آمن وسار في طريق البر والحق والخير .. سيكون المشهد مختلفًا تمامًا في يوم الفصل .. سيُساقون إلى الجنة في زُمَرٍ محفوفين بالبشرى والسكينة .. وتُفتح لهم أبواب الرحمة فيُقال لهم : " سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ " .. صدق الله العظيم .. هكذا هو وعد الله لمن طاب قلبه .. وصفَت نفسه .. وأخلص في إيمانه وسلوكه .. أما .. أما أولئك الذين طغوا وبغوا وتكبّروا على آيات الله ..  سيُساقون إلى جهنم زمَراً .. يُواجهون الحقيقة التي أعرضوا عنها .. ويذوقون وبال أمرهم جزاء ما كانوا يكذبون.

خلاصة القول : هي معركة النفس .. بين فطرة نقية تسعى للسلام ونفس مضطربة تتعطّش للدماء .. والفارق بينهما ليس في العقل ولا العلم .. بل في القلب والنية والإرادة .. فاختر يا بن آدم طريقك .. قبل أن يُقال لك : " ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها " .. أو " سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين " .. صدق الله العظيم .

.. و .. و في نهاية الطريق .. لا يُوزَن الإنسان بكثرة صلاته ولا بطول لحيته .. بل بسلام قلبه ونقاء نفسه وصدق نيّته .. فالدين ليس راية تُرفَع في ساحات الدم .. بل نورٌ يُشعّ في دروب الحياة .. إن الله لا ينظر إلى المظاهر .. بل ينظر إلى القلوب التي عرفت الحق فـ استقامت .. وإلى النفوس التي أبَت أن تتلوث بالحقد والتكفير والدمار .. هي معركة تُحسَم في الداخل لا في الخارج .. بين من اختار الرحمة ومن غرق في الوحشية باسم الله .. فـ إصدق مع نفسك .. فـ الخاتمة ليست في يد أحد إلا من بيده المصير كله هو " الله " .

اللهم إني قد بلغت اللهم فأشهد .