الفن
المسلسل التركي "زهرة الثالوث" ... قصة رائعة لفتت انظار العالم لها بعد اربع حلقات فقط

كتبت : داليا محمد
حقق المسلسل التركي "زهرة الثالوث" حتى اللآن نجاحاً ساحقاً في تركيا و الوطن العربي، على الرغم من أن عدد حلقاته لم يتجاوز الاربعة حلقات حتى الآن، إلا أن المسلسل التركي "زهرة الثالوث" استطاع أن يتصدّر المشهد الدرامي في تركيا والعالم العربي، بل و وصلت اصدائه لجميع انحاء العالم، حيث بدأت انظار العالم تلتفت له بشكل واضح بعد ان حقق العمل أول مبيعاته خارجياً في الساعات الاولى من معرض MipTV في مدينة كان الفرنسية، كما قامت دولة رومانيا بشراء حقوق عرضه للعرض قريباً على شاشتها رغم انه لم ينتهي من عرضه في تركيا.
و ذلك بعد الانجازات التي حققها العمل من حيث نسب المشاهدة في تركيا، حيث حققت الحلقة الأولى منه نسب مشاهدات وصلت إلى 5.85 ، ثم ارتفعت النسبة ارتفاعاً مهولاً في الحلقة الثانية لتصل إلى 9.97، ثم اكملت الحلقة الثالثة انجازات ما حققته الحلقات التي سبقتها و قفزت نسبة مشاهدات الحلقة قفزة نوعية وصلت حتى 13.33، ثم حققت الحلقة الرابعة نسبة 13.90، ما جعل المسلسل يقفز لقمة تصنيف المشاهدات الأسبوعية متفوقاً على مسلسلات أخرى ناجحة تُعرض معه في نفس اليوم مثل "الشوارع الخلفية" و "غولبيري" و "عروس اسطنبول" و "ابنتي"، بل و وصل لصدارة الرايتنج الاسبوعي بوصوله للمركز الرابع، ما يُعد انجازاً غير عادياً بالطبع، فضلاً عن ما سجلته نسب المشاهدات على مواقع الانترنت، حيث تجاوز عدد مشاهداته عبر موقع "يوتيوب" 53 مليون مشاهدة خلال ثلاث حلقات فقط، في حين أن عدد مشتركي قناة المسلسل في "يوتيوب" لم يتجاوز الـ500 ألف مشترك.
كذلك اصبحت القناة الرسمية للمسلسل التركي زهرة الثالوث او “hercai” أسرع القنوات إرتفاعاً فى عدد المشتركين فى تركيا ليس هذا فحسب بل إحتلت قناة مسلسل زهرة الثالوث المرتبة الـ 198 عالمياً كأسرع القنوات إشتراكاً على الإطلاق عبر اليوتيوب.
فقد حظى هذا المسلسل باعجاب المشاهدين بشكل كبير، بسبب قصته الرائعة التي رغم تكرارها، و لكن يتم سردها بشكل جديد يعطى العمل رونقاً مختلفاً، و تميزاً عن جميع الاعمال المعروضة حالياً في الموسم الدرامي بتركيا.
كذلك وقع المشاهدين في عشق جميع ابطال المسلسل بعد ادائهم العالي و المحترف رغم صغر سنهم جميعاً و قلة خبرتهم في خوض البطولات المطلقة، حيث تعاطف المشاهدين مع معظم الشخصيات رغم قسوة بعضهم مثل شخصية ميران بطل العمل الذي يؤديها الممثل "اكين اكينوزو"، و الذي برع في تقديم الشخصية المريضة نفسياً بسبب الكم الهائل من تناقضات المشاعر التي يحملها بداخله، فقد عزم على الانتقام من فتاة بريئة ليس لها ذنباً في اي شيء، و اصر على تلويث شرفها و سمعتها و هو واثق أنه بذلك سيحكم عليها بالموت، و اتقن خطة خداعه خير اتقان و تزوج الفتاة امام عائلتها بعقد مزيف، و في الصباح الباكر تنصل منها و انكر زواجه بها، و تركها تواجه مصيرها المحتوم و ذهب، فرغم عشقه لها و الذي بدأ منذ زمن قبل حتى زواجه بجونول حسب ما ورد في الرواية، حيث كان يراقبها دائماً و يعرف الاماكن التي تحبها و كل شيء عنها، و ظل سنوات متربص بها كعدوته حتى انقلبت العداوة إلى حب في غفلة من قلبه دون ان يشعر و لكنه رغم هذا العشق الكبير لم ينسى انتقامه و اصر عليه و لم يتراجع لحظة، و بعد ذلك يشعر بالندم و عذاب الضمير و كان هذا واضحاً من حديثه مع والداته عند قبرها، و هو يخبرها بنيران قلبه التي اشتعلت اكثر و لم تنطفيء بدموعه التي كادت تمزق خديه من شدة حرارتها و حرقتها، و بسبب ضميره الذي بدأ يؤنبه بشدة، حاول حماية ريان من عائلتها التي تصر على قتلها رغم معرفتهم ببرائتها، و لكن الغريب في الأمر حقاً انه رغم شعوره بالندم على ما فعله بها، و انقاذه لها، إلا انه لم يعتذر منها حتى الآن، و لم يطلب منها السماح، لم يعرض عليها الزواج لتصليح خطأه حتى لو كان زواج ديني لانه متزوج بالفعل من جونول، حتى حين قررت عائلتها تزويجها كل ما فعله هو ارسال رجل مسن لها ليتزوجها و طلب منه ان يخرج بها من المنزل ثم يطلقها و يسلمها له، فكل ما يحاول ميران فعله هو امتلاك ريان فقط و بأي وسيلة، و رغم كل ما بدر منه من ندالة و وقاحة و عقد نفسية شديدة إلا اننا نستشف من تصرفاته صفات جيدة و هي انه يفي بوعده دائماً، فحين وعد بالانتقام لشرف عائلته وفى بوعده رغم حبه، و حين اخبر ريان انها ان وقعت منه سيقفز خلفها، هذا بالفعل ما حدث، مع انه سبب وقوعها إلا أنه قفز خلفها دون تردد، ما يؤكد ايضاً على شجاعته اللامتناهية، كذلك قوة تحديه لجدته، فبعد أن اظهرت الحلقة الثانية كم أن جدته مسيطرة عليه و على افكاره، إلا انه بفعلته هذه تحرر من قيودها بعد ندمه و عذاب ضميره الذي يعتريه، و بدا ذلك واضحاً في مشهد هام جداً من الحلقة الرابعة و الذي انتقده رواد السوشيال ميديا و متابعين العمل حين استطاع ميران أن يحمل ريان في المشهد الاخير من الحلقة رغم انه مصاب بكتفه و جرحه ينزف و كاد يفقد وعيه في السيارة من شدة تعبه، و لم يلاحظ الكثير من منتقدي المشهد المعنى و الغرض الحقيقي منه الذي يجعلنا نغفر له عدم منطقيته على حساب هدقه السامي، فهو يقصد بحملها ان يتحدى عائلته و على وجه الخصوص جدته و زوجته جونول، لان من العادات المعروفة في تلك القرية أن العريس يحمل عروسه في اول دخول لها بيت عائلته، ما يحاول به ميران التأكيد على اعتباره ريان هي زوجته و ليس جونول و ان عليه حمايتها.
كذلك تعلقت الجماهير والمشاهدين بشخصية ريان التي تقدمها ابرو شاهين و تعاطفوا معها بشكل كبير بعد هول الظلم و القسوة التي تعرضت لها من عائلتها أولاً، ثم زوجها ثم عائلتها مرة أخرى و التي حكمت عليها بالاعدام في ذنب لم تقترفه، و اصرار الجد على قتلها رغم معرفته ببرائتها، بالطبع يكمن سبب اصراره على قتلها كونها ليست حفيدته الحقيقية و لا يريدها أن ترث فيه كونها تحمل اسم العائلة و كنيتها، و لكن ما ذنب هذه الفتاة المسكينة التي اصبحت ضحية لكل من اراد الانتقام لاسباب شخصية لا تمط للعدل أو للرحمة بصلة؟
و زاد هذا التعاطف الشديد من قبل المشاهدين مع ريان بعد وقوفها بجانب ميران حين اصابته و حاولت الهروب، و لكن بسبب طيبة قلبها و ضميرها اليقظ و برائتها التي مازالت تحيا بداخلها رغم كل ما عاشته من ظلم و قهر، فلم يسمح لها ضميرها بالفرار و ترك انسان يصارع الموت حتى وإن كان هو من القى بها للموت، خاصة بعدما تذكرت انقاذه لها تحت الماء و قفزه خلفها دون تردد، ما حنن قلبها قليلاً عليه كونها مدينة له بحياتها، فقد عادت له و ضمدت جرحه، و سهرت بجانبه ليلاً، قامت باطعامه بيدها و ظلت بجانبه حتى يسترد بعضاً من صحته، و رغم عدم منطقية المشهد إلا ان المشاهدين تغاضوا عن ذلك لعدم افساد متعة المشاهدة لقصة حب جديدة تنمو تحت ظلال الانتقام و الظلم و عذاب الضمير.
تعلقت الجماهير ايضاً باحد اهم شخصيات المسلسل و هي شخصية "عزت" أو "ازاد" ابن عم ريان، رغم جبنه الشديد في التعبير عن حبه لها طوال هذه السنوات، و صمته المستمر حتى حين قفزت امام عينه من أعلى الجسر ظل واقفاً و لم تصيبه الشجاعة ليقفز خلفها كما فعل ميران، و بعد حكم عائلتها عليها بالزواج من اي رجل في خلال 24 ساعة و إلا القتل سيصبح مصيرها، ظل صامتاً كذلك لم يحاول انقاذها أو عرض الزواج عليها، و حين تحدث و افرغ ما في قلبه كان ذلك بعد فوات الاوان، و بلا ادنى فائدة، لكن ما يحسب لشخصية عزت و يغفر له جبنه الشديد و سلبيته في مواقفه تجاه ريان، هو حبه الشديد و البريء لها و نظراته العاشقة و المحبة بمنتهي الاخلاص و التفاني و الصدق، يكفي شعوره السيء الذي تملكه تجاه ميران، و جعله يتنبأ بسواد تلك الزيجة و الكارثة التي ستحل على رؤوسم بعدها، و قد يكون السبب في صمته عن حبه لريان كل هذه السنوات معرفته انها لن تبادله الحب ابدا،ً ليس لعيب فيه، و لكن لأنها تريد الخروج من هذا المنزل، هذا الجحيم، و تلك العائلة الجاحدة، فإذا تزوجها هو سيظلون في نفس البيت مع ذات العائلة التي ظلت سنوات تقسو عليها و لم تر من ايهم الحب و الحنان يوماً قط، خشى أن يفصح عن مشاعره لمعرفته كم ان العائلة تكرهها، و لن يقبلوا بها زوجة له، و قد تزداد معاملتهم لها سوءاً بعد ذلك، كان يعلم أنها لن تقبل حمل كنية تلك العائلة طوال عمرها، ما جعلها تلقى بنفسها في احضان أول من جاء ليتزوجها و يخرجها من هذا الجحيم الذي تحيا به منذ مولدها، و إن كانت ستذهب إلى حياة أكثر جحيماً و قسوة.
من الشخصيات التي تتمتع بالتناقض المثير ايضاً و الذي يجذب المشاهدين لعشق صاحب الشخصية، تلك الفتاة يارين ابنة عم ريان، التي شعرت بالذنب الشديد بعد اصابة جول بالرصاصة عزت الطائشة، و قالت انها كان بامكانها منع هذا الشؤم بعدما عرفت الغرض الحقيقي لتلك الزيجة، لكنها صمتت عما سمعته لتنتقم من ريان، و رغم ذلك إلا انها كانت سعيدة بما يحدث لريان من ضرب و اهانة و حكم بالموت ظلماً دون ذنب أو جريرة، و ظلت ترمقها بنظرات قاتلة متشفية ساخطة بسبب حزنها على ضياع ميران من يديها، من هذا الذي مازال يغلي قلبها غضباً لفقدانه و خسارته، بعد ما فعله بشرف عائلتها، و ابنة عمها.
و بعد ان ظهر التأثر و بعض الحزن على وجهها حين تلقت خبر انتحار ريان و ظن الجميع انها ماتت، ذهبت لتأخذ غرفتها دون خجل أو حياء، و لم تنتظر حتى التأكد من موتها بحجة أن غرفة ريان اكبر، شخصية متقلبة و انانية و تبدو أكثر تناقضاً من شخصية ميران ذو المشاعر المذبذبة غير الواضحة.
و قد اوضحت الحلقة الثانية السبب في التناقض و بعض الشر الذي يكمن بداخل يارين، حين قال والد ريان لشقيقه بعد أن مزقت يارين فستان زفاف ريان : إذا كنت حاسبتها حين سرقت و اتهمت ريان لما فعلت هذا اليوم، في اشارة جيدة ان تربية اولياء الأمور لابنائهم هي العامل الرئيسي في اظهار جيدهم أو رديئهم في الكبر.
جزء من روعة الحب هو الاستمرارية، ربما لهذا السبب نجد كل الوعود التي يقدمها المحبون تدور حول الحب الأبدي، و انه لا شيء يمكنه أن يفرق بينهما، و لكن أحيانًا الحياة والظروف يكون لهما رأي آخر، فهل سيستمر حب ريان و ميران بعد الانهيار الكبير الذي حدث في علاقتهم، و انعدام الثقة بينهم، أم النهاية ستكون حزينة و ستنتهي بموت ريان مظلومة، كما عاشت مظلومة ؟
مسلسل "زهرة الثالوث" به العديد من الصراعات النفسية الدائرة ، والعلاقات المتشابكة و الشخصيات المعقدة التي اجتمعت في قصة حب مستحيلة، لتُخرج لنا عملاً مميزاً لفت انظار العالم له بروعته و اختلافه.