اهم الاخبار
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

المفكر العربي على الشرفاء الحمادي يكتب : التدبر ومواقف التجبر

علي الشرفاء الحمادي
علي الشرفاء الحمادي

في الوقت الذي يدعو فيه الله الناس إلى التفكر في كونه وآياته وتشريعاته ومنهجه، نرى البعض ممن نصبوا أنفسهم أوصياء على الدين، يمنعون الناس من أداء فريضة التفكير والتدبر، التي تعتبر من أعظم الفرائض، بل قد تكون أمّ الفرائض كلها. فبها يصل الإنسان إلى قناعة عقلية وإيمانية تؤهله لطاعة الله عن يقين وفهم، وتعينه على إدراك مقاصد الشريعة، وفهم حكمة الخطاب الإلهي الموجه للبشر، من أجل حياة طيبة، قائمة على العدل والأمن، والتعاون على البر، والابتعاد عن الطمع والعدوان والكراهية والاستعلاء.

وإذا انحرف الإنسان عن هذا المنهج، واستعلى على الناس، فقد حُجِبَت بصيرته، ووقع في الظلمات، وخالف صفات المؤمن التي ذكرها الله في كتابه الكريم، ومن أبرز هذه الصفات:

الرحمة والتواضع..{وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } الفرقان (٦٣)

الإنفاق وكظم الغيظ والعفو.. { الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } آل عمران (١٣٤)

الشورى والتكافل.. { وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } الشورى (٣٨)

العدل والشهادة للحق.. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } النساء (١٣٥)

العفو والإحسان.. ﴿ إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ النساء (149)

الالتزام بالقيم.. { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } النحل (٩٠)

• { وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ } المؤمنون (٣)

الصفح الجميل.. {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ }الحجر (٨٥)

اجتناب الظن والغيبة والتجسس..{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ } الحجرات (١٢)

القول الحسن مع الناس.. { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } البقرة (٨٣)

المائدة (٢) التعاون على البر والتقوى.. { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }

دفع السيئة بالحسنة..{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } فصلت (٣٤)

الاعتدال بين الدنيا والآخرة..{ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }القصص (٧٧)

عدم اتخاذ الحلف بالله مانعًا للخير..{ وَلَا تَجْعَلُوااللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَالنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} البقرة (٢٢٤)

الأخوة بين المؤمنين.. {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَأَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} الحجرات (١٠)

النهي عن السخرية واللمز.. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } الحجرات (١١)

الكلمة الطيبة تدفع العداوة..{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا}    الإسراء(٥٣)

التواضع في التعامل مع الناس.. {ولَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}  لقمان (١٨)

تلك الصفات تمثل جوهر الإيمان، وسلوك المسلم الحقيقي الذي يتبع منهاج الله في القرآن الكريم. ومن هنا، ينبغي لكل شيخ دين، وعالم، ومفكر، وقاضٍ، ومسؤول مسلم، أن يسأل نفسه: هل تتجلى هذه الصفات في سلوكه اليومي، وفي علاقاته وتعاملاته؟ إن من يدّعي تمثيل الإسلام، ولا يتحلى بهذه الصفات، فعليه أن يراجع إيمانه، لأن الله قد أنذرنا في كتابه بقوله: (ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا؟ قالوا بلى، ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) [الزمر: 71].

وقد دفعني إلى كتابة هذه المقالة ما شاهدته من حملة عدوانية غير مبررة على الدكتور سعد الدين الهلالي، الذي طرح رأياً فقهياً مستنداً إلى تدبره لآيات الميراث. كان الدكتور يؤدي فريضة إلهية، وهي التفكر والتدبر، ولم يكن يدعو لمنكر، بل اجتهد باحثًا في مقاصد النص القرآني، كما أمر الله. كان من الأولى بمؤسسة الأزهر أن يدعوه للحوار والمناقشة وفق مبدأ الشورى الذي أمر الله به، لا أن يُجابه فكره بالهجوم والتكفير.

فهل بات التفكر في القرآن يُعد جريمة؟ وهل أصبحت حرية الفكر التي دعا إليها الإسلام تُقابل بمحاكم تفتيش كما فعلت الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى؟ إن الله سبحانه خاطب الناس قائلاً: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) [ص: 29] ودعا المؤمنين للاستجابة لما يحييهم: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) [الأنفال: 24].

لقد اختزل بعض الفقهاء الإسلام في الأركان الخمسة، وجعلوها المعيار الوحيد للإيمان، في حين أن الله بيّن في كتابه أن الإسلام منهج متكامل في العدل، والرحمة، والحكمة، والحرية، وأن الحساب يوم القيامة على هذا الأساس: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) [الكهف: 29].

والله سبحانه قد حدد مهمة الرسول بدقة بقوله: (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) [ق: 45] وقال أيضاً: (إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب) [الرعد: 40].

وفي نهاية المطاف، سيقرأ كل إنسان كتابه يوم القيامة بنفسه: (إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) [الإسراء: 14]

فلنتقِ الله جميعاً، ولنُعِد النظر في فهمنا لرسالة الإسلام، ولنترك للناس حقهم في التفكر والتدبر كما أمرهم الله. ولا نكن من الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم.

فلْيَسألْ كلُّ شيخ دين، وعالِم إسلامي، ومفكّر، وقاضٍ، ومسؤول مسلم – في أي موقع يعمل فيه – نفسه: هل يرى أن صفاته الشخصية، وسلوكياته، ومعاملاته، تتوافق مع بعض ما ورد في المنهاج الإلهي في القرآن الكريم؟ هل تتجلى في تصرفاته وعلاقاته الاجتماعية وغيرها من التعاملات الدنيوية؟ فإن لم تتوفر فيه بعض هذه الصفات، فليُعد النظر في إيمانه، وليُحاسب نفسه، ويُعِدَّ عدّته ليوم الحساب، يوم تسأله الملائكة كما جاء في قوله تعالى: “ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا؟ قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين” (الزمر: 70)

فمن يا تُرى يشفع لهم يوم يفرّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه؟ يوم يرى كل إنسان مشغولًا بنفسه! لذا أُطلقها نصيحة خالصة إلى الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، عودوا إلى ربكم الرحيم، الذي يناديكم بقوله: “يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم” (الأنفال: 24)

فمن لم يستجب لدعوة الله ليحيا حياةً طيبة في الدنيا، ويُجزى يوم القيامة جنات النعيم، فقد خسر الدنيا والآخرة. والى كل هؤلاء الغافلون ألم يحدد الله سبحانه صلاحيات الرسول – صلى الله عليه وسلم – في خطاب التكليف، حين قال: “وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب” (الرعد: 40)

فأصبحت مسؤولية الرسول صلى الله عليه وسلم، وفق خطاب التكليف الإلهي، محددة في إبلاغ رسالة الله إلى الناس. أما حسابهم في الدنيا والآخرة فهو اختصاص إلهي محض، يوم يبعثون.

وقد وصف الله سبحانه ذلك اليوم بقوله: “وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا” (الإسراء: 13-14)

ففي ذلك اليوم يجد الإنسان سجلًا كاملًا لأعماله في الدنيا، لا يمكنه الإنكار أو التهرب، لأنه سجلٌ صادق، يتضمن كل صغيرة وكبيرة فعلها، ويكون هو نفسه شاهدًا على ما اقترف، ومقرًّا به. عندها يصدر الحكم الإلهي: فإما أن يكون من الصالحين، فيدخل الجنة معهم، وإما أن يكون من الظالمين، فيكون مصيره نار الجحيم .. اللهم اني بلغت اللهم فاشهد .